أوهام متبددة

تم نشره الثلاثاء 01st كانون الأوّل / ديسمبر 2015 01:44 صباحاً
أوهام متبددة
عريب الرنتاوي

خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة، تساقط وهمان كبيران، الأول يخص معسكر “المقاومة والممانعة” والثاني يتصل بفريق المعجبين حد الاندهاش، بأداء السلطان رجب طيب أردوغان، وهم بالحصر، من المعسكر الآخر. إعلام فريق “المقاومة والممانعة” لا يتوقف عن محاولاته توسيع هذا المحور، فاقترح من قبل حكومة المالكي كجزء منه، والان يتحدث عن ميليشيات الحشد الشعبي بوصفها ذراعا ضاربة من أذرعته، وبين هذه وتلك، يقترح ضم الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح إلى الحلف ... لكن “الجائزة الكبرى” التي حظي بها هذا المحور، إنما تمثلت بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، والذي جعل من موسكو، عاموداً رئيساً من أعمدة محور المقاومة والممانعة، ومن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رمزاً وقائداً له. مع إن موسكو لم تستخدم يوماً مثل هذه التعابير والمصطلحات، بل وأحجمت على الدوام عن وصف علاقاتها بأي من أركانه، بأنها “تحالف استراتيجي”، وهي لا تكف عن مد يديها الاثنتين للسعودية ودول الخليج، ولولا حادثة الطائرة الروسية، لكانت أنقرة من أكبر شركاء موسكو في مجالات التجارة والسياحة والطاقة... أما عن علاقاتها مع إسرائيل، فحدّث ولا حرج، فهي تقيم تنسيقاً قوياً معها، وقادة تل أبيب كشفوا عن “خروقات” متكررة لسلاح الجو الروسي للأجواء الإسرائيلية من دون أن يتصدى لها احد، كما أن الطيران الحربي الإسرائيلي لم يتوقف عن تنفيذ ضربات ضد أهداف له في سوريا، بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا كما قبله، وكل ما في الأمر أن العمليات باتت تحتاج “تنسيقاً” وليس إذناً من أحد، حتى لا تقع الحوادث التي تعكر صفو العلاقات الثنائية بين الجانبين. الوهم الثاني الذي تبدد خلال الساعات الأربع والعشرين، ويتعلق بموقف تركيا الإنساني/ الديني/ الأخوي من قضية اللاجئين السوريين، بعد أن قبلت أنقرة عرضهم في سوق النخاسة الدولي، ووقعت مع قادة الاتحاد الأوروبي على صفقة “بيعهم” بقيمة ثلاثة مليارات يورو، معطوفة على بعض التسهيلات المتصلة بالمفاوضات الجارية حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، كما أن هناك عروضاً أوروبية تنهمر على أنقرة، للقبول باستعادة من غادر موانئها من اللاجئين صوب أوروبا، مقامراً بحياته وحياة عائلته، لقاء تسهيلات تمنح للمواطنين الأتراك بدخول أوروبا والعمل، وربما الإقامة فيها. أنقرة لطالما زعمت أنها لن تغلق حدودها في وجه اللاجئين، وأنها لن تقبل بمساعدات غربية من أجل استضافتهم، وأنها لن تساوم على حقهم في حرية الحركة، وأن موقفها من قضية اللجوء السوري، خالص لوجه الله تعالى ... لكن ما وقع مؤخراً، يظهر أن أنقرة لعبت مع أوروبا لعبة “ابتزاز” موصوفة، وأن لعبتها هذه قد أعطت أكلها، خصوصاً بعد إغراق أوروبا بطوفان اللاجئين الذي حركته أنقرة من موانئها على المتوسط ... اليوم، يذهب أحمد داود أوغلو إلى بروكسيل لتحصيل الثمن و”الجائزة الكبرى”، وستغلق الحدود في وجه اللاجئين المغادرين، وستغلق الموانئ التي تنطلق منها قوافل الموت إلى الشواطئ اليونانية، وستحظى تركيا بفرصة استئناف المفاوضات على طريق عضويتها في المجموعة الأوروبية. لهذا الغرض، لا يجد صاحب “العمق الاستراتيجي” غضاضة، في التأكيد على “أوروبية” تركيا، ضارباً عرض الحائط، بكل تنظيراته السابقة حول “شرق أوسطيتها” و”إسلاميتها” ... المهم أن تستكمل الصفقة مع الاتحاد الأوروبي شروطها، وأن تستكمل انقرة قبض الثمن. خلاصة القول، أننا في لحظة “الاستقطاب” التاريخي، نقرر عن سبق الترصد والإصرار، تطليق عقولنا، فنهتف لبوتين زعيماً للمقاومين والممانعين، من دون أن يعرف هو ذلك أو يقر به ... ونرفع أردوغان إلى مرتبة السلطان و”خامس الخلفاء الراشدين” من دون أن نستشيره فيما إذا كان موافقاً على تجسيد هذا الدور أو تحمل تلك المسؤولية. ها نحن على ضفتي الانقسام الإقليمي، نُصفع من جديد، فتسقط أوهامنا الواحد تلو الاخر ... ها نحن نصطدم بالحقائق المرة للمرة الألف من دون أن نتعلم درساً واحداً ... والمؤكد أن مقالة كهذه، ستثير موجة من التعليقات الغاضبة، من الجانبين، خصوصاً الذين قرروا تطليق عقولهم، والارتهان للعبة المحاور والمعسكرات المذهبية والطائفية والدينية المختلفة.

(الدستور 2015-12-01)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات