تونس ودائرة عدم الاستقرار السياسي والإرهاب؟

قبل عشرة أيام من تَسَلُّم «رباعي الحوار» في تونس جائزة نوبل للسلام لهذا العام، اختار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي توجيه دعوة الى شعبه من اجل «احلال السلم الاجتماعي»، دعوة تستبطن ما يمور تحت سطح الاحداث المتسارعة في الدولة العربية الصغيرة ولكن الساحرة والجميلة بشعبها الطيب، التي فجرّت ثورة مُلْهِمة اطاحت بالدكتاتور الفاسد زين العابدين بن علي وأسست لموجة من الثورات العربية «المُلونة» أُطلِق عليها زوراً وتعمِيّة ثورات الربيع العربي , لتكتشف الشعوب العربية لاحقاً (ليس بينها التوانسة بالطبع) انها جاءت مبكراً بخريف عربي مُدَمِّر لم يستفد منه الا الذين ركبوا هذه الموجة وانصاعوا لأوامر السيد الأميركي وأعوانه في المنطقة وعلى رأسهم الاخوان المسلمون والحركات التكفيرية وتلك الجهادية التي تم «سييدها» ودفعها الى مقدمة المشهد، وها نحن نجد امامنا مشهداً دموياً «حافلاً» بقطع الرؤوس وحرق الأحياء وسبي النساء ورجم الأبرياء وتكفير المؤمنين وغيرها من الارتكابات التي لم تُسهم الاّ في إبعاد الجمهور العربي عن كل ما هو ثوري ووطني واصلاح وتغيير ونشدان الأمن والاستقرار والتمسك بشروط الحياة في أدنى صُوَرِها، ورفضاً للتمرد والثورة على أنظمة فاسدة ومتعفنة ومستبدة خوفاً من المجهول او عدم الاطمئنان الى ان مساراتها لن تنحرف في النهاية ليغدو أسيادها في الجاهلية هم ذاتهم الأسياد في عصر الثورات والربيع الذي لا يُغرِّد فيه أي «سنونو»..
ما علينا..
تونس التي ضربها الارهاب في اكثر من مكان، وخصوصاً في متحف باردو، وجاءت عملية تفجير الحافلة التي تُقل عناصر من الأمن الرئاسي ارتكبها انتحاري مؤخراً، لتعيد الى الأذهان ما كانت تخشاه البلاد من تَجَذُّر للارهاب وتمكنِه من إحداث اختراقات أمنية عديدة , يكاد الارهابيون المُستقرون في جبل الشعانبي يطمئنون الى انهم باتوا في مأمن وان خلاياهم الداعشية والقاعدية والتكفيرية الاخرى «النائمة» في تونس العاصمة وبعض مدنها، ستخفف من ضغط الجيش التونسي وقوى الأمن الأخرى عليهم، ما يسمح لهم بالتالي من مواصلة محاولاتهم لاستجرار الدعم اللوجستي والتنسيق مع الجماعات الارهابية الاخرى في الجزائر وخصوصاً ليبيا، حيث بدأ داعش بالاستقرار والتمدد، إذ غدت مدينة سرت الليبية بموقعها «النفطي» الاستراتيجي والقريب من المثلث النفطي الشهير معقلهم الرئيس , ليس فقط القادر على جذب المزيد من المتطرفين من داخل ليبيا وخارجها وانما ايضاً في كونه اقرب الى اوروبا من اي وقت مضى.
ليس هذا فحسب، بل ثمة ازمة حادة تعصف بالحزب الحاكم الذي ما يزال حتى اللحظة يحمل اسم «نداء تونس» حيث الانشقاق بات وارداً وحيث وصلت الازمة المُتفاقِمة فيه الى طريق يبدو مسدوداً على ما جاء في خطاب أحد مؤسسي بل المؤسس الابرز للحزب، رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي، الذي هو في وضع لا يُحسد عليه، ليس فقط لانه «ابتعد عن رئاسة الحزب (ولو شكلياً) بعد انتخابه رئيساً للبلاد , وانما ايضاً لان نجله «حافظ» هو «زعيم» احد المُعسكرين المُتقابِلَيْن , فيما يقف على المتراس الاخر، الامين العام للحزب محسن مرزوق , الذي يَتهِم نجل السبسي بانه يريد «وراثة» الحزب ويرفض مبدأ الانتخابات لتعبئة المراكز القيادية في الحزب بل يرغب في توزيعها على ازلامه والمقربين , ولا يتورع (مرزوق) عن اتهام ابن رئيس الحزب , بانه يُنسِّق مع حركة النهضة التي يتزعمها راشد الغنوشي.
ولأن انسحاب «32» نائباً من كتلة نداء تونس البرلمانية قد يُفضي الى فقدان الحزب اغلبيته في مجلس نواب الشعب (اسمه الرسمي) ما اثار المخاوف باحتمال عودة «النهضة» الى الحكم، فإن خريطة التحالفات لم تستقر بعد , وان كان المراقبون يستبعدون ان يسعى الغنوشي في هذه الظروف التي تزداد فيها الحملة على الارهاب وتتدهور الاوضاع في ليبيا المجاورة (اغلقت تونس حدودها معها لمدة اسبوعين) فضلا عن فشل حكومة الصيد وقبلها حكومة مهدي جمعة في وقف الاحتجاجات المطلبية للتوانسة في ظل ارتفاع نِسَب البطالة والاسعار , الى تَصدُّر المشهد الحكومي، فإن الصراع في الحزب الحاكم سيأخذ البلاد الى فترة من عدم الاستقرار السياسي وربما الى انهيار العملية السياسية بأكملها والاضطرار للذهاب الى انتخابات مُبكرة او لجوء بعض القيادات المستقلة (داخل الحزب) الى الاستقالة واعتزال العمل السياسي، ما سيُعمِّق الخلافات في ظل الحديث عن بروز «الدستوريين» (اي فلول حزب بن علي) في مقدمة حزب نداء تونس وتراجع دور اليساريين والنقابيين الذين اسهموا في «تجميع» حزب حمل اسم نداء تونس كانت مهمته الرئيسية وقف أسلمة تونس (اي هزيمة حزب حركة النهضة).
الطريف في كل ما يجري في تونس الخضراء، هو اشتراط الرئيس السبسي، على الاتحاد العام للشغل (وهو أحد اطراف رباعي الحوار) إنهاء خلافاته مع ممثلي القطاع الخاص قبل العاشر من الشهر الجاري. اي قبل موعد تسلم جائزة نوبل للسلام.. مفارقة تدعو للابتسام (حتى لا نقول للضحك).
(الرأي 2015-12-01)