لبنان: فرنجية «رئيساً» بين.. المُمْكِن والمُتَعَذِّر!

عادت مُعادلة «السين سين» الشهيرة في لبنان والتي كانت سابقاً تعني السعودية سوريا، الى التداول مُجدداً ولكن هذه المرة بصيغة لبنانية (وإن بغطاء خارجي) كون طرفاها لبنانيان، سعدالدين الحريري وريث الحريرية السياسية وزعيم تيار المستقبل الذي يدّعي احتكار تمثيل «سُنّة» لبنان وقائد فريق 14 آذار الذي تشكّل بعد اغتيال والده قبل احد عشر عاماً تقريباً (14 شباط 2005) والآخر سليمان فرنجية احد «أقوى» اربعة زعماء مسيحيين مارونيين (الجنرال عون وسمير جعجع وامين الجميّل) وحليف سوريا وحزب الله والفاعل في فريق 8 آذار والمُنخرِط في الكتلة البرلمانية لتكتل الاصلاح والتغيير.
عودة الحياة لمعادلة «سين-سين»، جاء بعد ان «رشّح» الحريري، فرنجية رئيساً للجمهورية (ذلك الموقع الذي ما يزال شاغراً منذ 560 يوماً) في محاولة منه لِبَث الفُرقة والخلافات داخل فريق 8 آذار، الذي يُمسك بيديه خيوط اللعبة السياسية ويربط انتخابات رئيس «جديد» للجمهورية، بتسوية شاملة تطال كل ملفات الخلاف بين الفريقين , بدءاً من رئاسة الجمهورية وليس انتهاء بقانون انتخاب عصري مروراً بالحكومة والتعيينات في المناصب الرفيعة التي يتم ملؤها وفق نظام محاصصة طائفية ومذهبية، فضلاً عن مسألة الثلث المعطل وسلاح المقاومة والتحالفات الاقليمية (استجدَّت مؤخراً مسألة عضوية لبنان في التحالف الاسلامي الذي اعلنته الرياض لمحاربة الارهاب)..
ترشيح الحريري لفرنجية رئيساً، اشعل الساحة السياسية والحزبية اللبنانية، واثار – وما يزال – من الجدل والسجالات، ما تجاوز حدود الحدث الى البحث عن الأهداف والغايات، وما رمى اليه الحريري من هذا الترشيح , الذي ظنّ انه سيكون اختراقاً لفريق 8 آذار، وتصديعه ان لم نقل انهياره، ما آثار تساؤلات ذات أهمية في الفريق الذي ينتمي اليه فرنجية وبخاصة كيف لزعيم فريق خصم و(مُسْلِم) ان «يفرض» ترشيحاً لرئاسة الجمهورية على الفريق الآخر وخصوصاً اذا كان (مارونياً)؟ اما كان الأجدر (يضيفون) ان يقوم فريق 8 آذار بترشيح مَنْ يريده... سواء كان فرنجية ام غيره؟ اضف الى ذلك «التسرّع» الذي أظهره الكاردينال بشارة الراعي في البداية عبر إبداء دعمه لهذا الترشيح ثم تراجعه بعد ذلك، امام الهجمة الغاضبة للثلاثي الماروني القوي، وبخاصة الجنرال عون وجعجع... ما زاد من تعقيد المسألة وتراجع حظوظ رئيس تيار» المَرَدَة» سليمان فرنجية, الذي ارتبك في البداية واتخذ موقفاً دفاعياً امام هجوم خصومه ومنافسيه ولم تنجح لقاءاته مع امين حزب الله السيد نصر الله والرئيس السوري, في طمأنة منافسيه خصوصاً الجنرال عون, الامر الذي تعاطى معه فرنجية وعبر مقابلة تلفزيونية تبث عادة على الهواء في برنامج حواري (كلام الناس) يحظى بمتابعة حثيثة ويقدمه الاعلامي مارسيل غانم, الى ابراز عضلات التحدي واطلاق تصريحات ومواقف تصب كلها في اتجاه اصراره على المُضِي قُدماً في ترشيحه حد القول الى انه الان «مرشح رئاسي اكثر من أي وقت مضى», علماً أنه لم يكن بالفعل مرشحاً رسمياً, بل كان ضمن «الاربعة الاقوى مارونيا» على ما انتهى اليه اجتماع في مقر البطريركية المارونية في بكركي, مع بداية الشغور الرئاسي.
فرنجية اذاً بات مرشحاً رئاسياً «ثالثاً» ,بعد أن كان سعد الحريري وفريق 14 اذار قد تبنى ترشيح سمير جعجع, فيما فريق 8 اذار دعم تَرَشُّح الجنرال عون وها هو مرشح آخر من فريق 8 اذار, يعلن ترشحه, في اشارة لا تخلو من دلالة بأنه قد ينشق عن 8 اذار, رغم تكرار مقولته انه ما يزال حليفاً لحزب الله والمقاومة وسوريا, الا انه اطلق اشارات على اتجاه «استقلالي» لم يُقنع كثيرين بجدية تحالفاته القديمة , والتي ابدى «مقابلها» مفردات ومواقف حميمة تجاه الحريري والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وايضاً تجاه عواصم اقليمية ذات تأثير قوي وفاعل في الشأن اللبناني كذلك ترتيبات ارتفاع اسهم فرنجية الرئاسية.حاليا.
صدى مفاجأة ترشيح فرنجية لم تنعكس سلباً على فريق 8 اذار وتدفع بالخلافات الى سطح المشهد الخاص بالفريق ذاته فقط, بل استقبلتها ردود افعال غاضبة ومتشنجة من داخل فريق 14 اذار وتيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري ذاته, ما عجّل بظهور تحليلات تتحدث عن انفراط وشيك لفريق 14 اذار وتمرد داخل تيار المستقبل واحتمال ذهاب جعجع بعيداً في افشال صفقة الحريري فرنجية والتصويت لصالح الجنرال عون.
لم تصل الامور بعد في الفريقين حدود التصدع والانشقاقات والاستقالات, ويبدو أن الجميع في انتظار تطورات أو مستجدات اقليمية ودولية, ليبني كل منهما على هذا التطور أو المستجد المأمول.. مقتضاه, لكن اللافت هو أن سليمان فرنجية وقد اغراه المنصب الذي كان شغله «جَدّْه» سليمان فرنجية, اواسط سبعينيات القرن الماضي وأندلعت في عهده الحرب الاهلية الشهيرة, يستعد لمغادرة مركب 8 اذار, لأنه يعتقد في قرارة نفسه أن الفرصة قد سنحت ولن تعود ثانية , فلماذا اذاً لا يهتبلها ويحمل لقب فخامة الرئيس؟
سؤال وأُمْنِية قد تقضي على مستقبل «البيك» الخمسيني السياسي, وتَحْرِمه من المنصب والارث السياسي الذي أَهّله ليكون لاعباً مهماً في فريق سياسي فاعل, وهو أمر بات وارداً , لأنه ليس لدى سعدالدين الحريري ما يُقَدِمُه لنفسه, ما بالك... للآخرين؟
(الرأي 2015-12-22)