حكومة أزمة أم محاصصة؟

التعديل الحكومي الذي أجراه رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد وأطاح بمقتضاه بنحو نصف الفريق السابق وأدخل 13 وزيراً جديداً، هو بمثابة تشكيل حكومة أزمة تتولى مهامها مع بداية العام الجديد وأمامها ملفات كثيرة تتطلب سياسات حازمة لمواجهتها وتفكيك العقد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الموروثة من الحكومات السابقة بعد الثورة وقبلها.
أغلب الوجوه الجديدة التي دخلت الحكومة لم يكن مرضياً عنها وجوبهت بالشكوك في كفاءاتها وقدراتها، كما أن عدداً من الوزراء المطاح بهم رحلوا مأسوفاً عليهم لما بذلوه من جهود وحققوه من نجاحات نسبية، وعلى الرغم من التفسيرات المختلفة لدوافع التعديل الحكومي وعلاقته بالمحاصصة الحزبية في الائتلاف الحاكم أو بالصراع الدائر داخل الحزب الأكبر «نداء تونس»، ستظل كلها فرضيات يسمح الجو الديمقراطي في البلاد بالخوض فيها ولا يبت في واحدة منها، ولكن الحكم المسبق بأن الفريق الجديد سيكون أفشل من السابق فهو من باب الرجم بالغيب الذي لا يفيد مطلقاً في توفير البيئة المناسبة للعمل.
ومع أنه من حق القوى السياسية والاجتماعية وأي تونسي محاسبة الحكومة عما فعلته وما ستفعله، تبقى المسؤولية ملقاة على رئيس الحكومة ووزرائه طالما أنهم يحظون بالشرعية الانتخابية ولم تُحجب عنهم ثقة البرلمان. وأحياناً تبدو الانتقادات والضغوط من القوى المدنية مطلوبة لحفز السلطات التنفيذية على الانتباه وتوخي أقوم المسالك للقيام بواجباتها وتسجيل نقاط إضافية لصالح المجموعة الوطنية.
لا شك أن 2015، كان عاماً صعباً ولم تتحقق فيه أغلب الأهداف الكبرى التي أعلن عنها النظام الجديد عندما تسلم مقاليد السلطة بعد انتخابات 2014، ومن حسن الحظ أن السجل لم يكن صفراً، ففي ظل أزمة اقتصادية طاحنة وتراجع كبير في الاستثمارات الخارجية تم تحقيق إنجازات جبارة على الصعيد الأمني، وربما هذا هو السر في صدمة الكثيرين من إقالة وزير الداخلية محمد ناجم الغرسلي. فهناك شبه إجماع بين أغلب الأطراف على أن هذا الرجل تم في عهده إجهاض عشرات الخلايا الإرهابية المكونة من بضع مئات من العناصر المتطرفة، وذلك على الرغم من أن مدة توليه الوزارة قد عرفت أعنف الأعمال الإرهابية في تاريخ تونس الحديث على الإطلاق. وما ينطبق على وزير الداخلية يسري أيضاً على وزراء آخرين من بينهم وزير الشؤون الاجتماعية عمار الينباعي.
من محاسن النظام السياسي التونسي الجديد أن رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية لا يستطيع أي منهما أو كلاهما الانفراد بالحكم والقرار، ففي الجانب الآخر هناك البرلمان الذي يفترض أن تكون له الكلمة الفصل في الخلافات الدائرة حول الشخصيات الوزارية القادمة أو الذاهبة. وبإمكان نواب الشعب أن يصححوا توجهات الحكومة إذا اعتورها الخلل أو سوء الاختيار، إذا احتكموا مسبقاً إلى ضمائرهم بعيداً عن المساومات والمحاصصات التي تحصل بين قادة الأحزاب والكتل النيابية.
فالحكومة لا تستطيع أن تنجح في مهمتها إذا لم تواجهها معارضة قوية بالنقد البناء والتوجيه. ومن خلال متابعة عمل النخب السياسية التونسية، لا يعكس التقييم الإجمالي لمختلف الأطراف تجانساً في الوعي بتحديات واقع البلاد والتطورات المستجدة إقليمياً ودولياً، وأوضح مثال على ذلك ما يحدث في حركة «نداء تونس»، فالانقسام المفتعل يؤكد أن بعض النخب لا تفرق بين الخلاف السياسي ومصلحة الدولة، وهذا الأمر يثير شيئاً من الإحباط والمخاوف في مرحلة تحتاج فيها تونس إلى كثير من العمل والانضباط الحزبي حتى يستقر النموذج الديمقراطي وتترسخ مؤسساته وعندها فليتنافس المتنافسون.
(المصدر: الخليج 2016-01-09)