"بدل ما يكحّلها عماها"!

تم نشره الخميس 25 شباط / فبراير 2016 01:21 صباحاً
"بدل ما يكحّلها عماها"!
محمد أبو رمان

من شاهد اللقاء التلفزيوني للمذيع المصري وائل الأبراشي، مع والد الطفل ذي الأربعة أعوام، الذي حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن المؤبد لمشاركته في "قتل متظاهرين" في الفيوم قبل عامين، سيكتشف حجم الفضيحة التاريخية التي وقع فيها القضاء العسكري المصري، لكنها الوجه الحقيقي السافر لما آلت إليه الأمور من حالة فوضى غير مسبوقة وكارثية، حين يصل التلاعب بالقضاء إلى هذا المستوى!

حاول مسؤولون ترقيع الفضيحة بالقول إنّ المطلوب هو والد الطفل، الذي تبيّن من لقاء الأبراشي معه، أنّه على درجة كبيرة من البساطة، والبعد عن السياسة. لكن حتى لو فرضنا أن هذا التبرير السطحي صحيح، فهو تطبيق أمين للمثل العربي "جاء ليكحّلها.. فعماها". إذ إن الحكم على مائة شخص دفعة واحدة لتبرير عملية قتل المتظاهرين، وقبلهم أحكام الجملة بالمئات إعداماً وسجناً، وموت العشرات في السجون جراء التعذيب غير الإنساني، كلّها أمارات مرعبة على انهيار غير مسبوق في الأحكام القضائية وميزان العدالة!

تأتي هذه الفضائح في الوقت الذي لم يجفّ فيه بعد دم الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عُثر على جثته مقتولاً في القاهرة، بعدما تمّ اختطافه وتعذيبه، حتى وصف وزير الداخلية الإيطالي ما رأه من نتائج التقرير الطبي الإيطالي حول الجثّة بأنّ الطالب الإيطالي "تعرّض لعنف حيواني غير إنساني".

وهو أمر -للأسف- طبيعي في مصر وكثير من الدول العربية، وإن بدا المشهد صادماً للإيطاليين، الذين أيّد رئيس وزرائهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قائلاً له: "حربك على الإرهاب حربنا"، وهي العبارة التي يذكّر الإيطاليون رئيس وزرائهم بها وهم يشاهدون جثة طالب الدراسات العليا الإيطالي، في حين تشير تقارير غربية عديدة بدلائل على أنّ الأمن المصري هو المتهم الأول عن هذه الجريمة، لأنّ ريجيني كان مسانداً للربيع العربي ويكتب في مجلة يسارية معارضة هي "المانفيستو".

لا تقف حالة الفوضى عند الأمن والقضاء، بل تطاول اليوم الإعلام المصري والصراعات الداخلية. فهناك حرب مشتعلة بين أمناء الشرطة وضباطها، وهناك أيضاً تصفية حسابات بين من سمّاهم الصديق خليل العناني اليمين المؤيد للرئيس السيسي. وربما من تابع الصراع الإعلامي المفتوح بين رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور والإعلامي المعروف عمرو أديب، يشعر بالقلق الشديد من حجم الانهيارات التي تحدث اليوم في البلاد.

حتى النخبة المثقفة التي أيّدت الانقلاب العسكري، في البدايات، عادت لاحقاً لتراجع مواقفها وتنقلب على نفسها، وكان آخرهم الأديب المعروف علاء الأسواني، الذي وجد نفسه ممنوعاً من الكتابة ومحجوباً عن الإعلام، كما اعترف هو نفسه لإذاعة "بي. بي. سي".

من الضروري أن يفهم الجميع، مما يحدث حالياً في مصر وغيرها، أنّ العودة إلى اللعبة القديمة والسلطوية العربية لم تعد أمراً ممكناً ولا منطقياً، فالنتيجة الوحيدة للثورة المضادة ضد "الربيع العربي" هي التفكك والفوضى والفشل، والدخول في دوّامة كبيرة، فقط لخدمة نخبة سياسية متضررة من المسار الديمقراطي، وعملت على تعطيله في العديد من الدول العربية.

لا الثورة المضادة اجتازت المنعطف، ولا العالم العربي بخير بعد إفشال "الربيع العربي". وتكفي العودة إلى الدراسة المهمة للبنك الدولي التي أشار إليها د. مروان المعشر (في مقاله في "الغد" أمس)، والتي تحدثت عن الظروف التي أدت إلى "الربيع العربي" واستمرارها، لاستنتاج أنّ الثورة المضادة لا تعني إلاّ كلمة واحدة فقط وهي "الخراب"!

(الغد 2016-02-25)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات