موسكو.. العمل العسكري والمعركة السياسية معاً..
![موسكو.. العمل العسكري والمعركة السياسية معاً.. موسكو.. العمل العسكري والمعركة السياسية معاً..](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/9b61651b13dabd6ac3729d345beb1cd5.jpg)
قبل أيام قليلة مضت شاهدت فيلما سينمائيا اميركيا بعنوان «الدولي». تدور قصة الفيلم حول البنك الدولي للتجارة ونشاطاته المشبوهة ودوره في زعزعة الامن في دول العالم الثالث. توقفت عند فكرة تتمحور حولها مهمة البنك ،عبر عنها المدير حين قال ما معناه ، أن البنك لا يسعى الى السيطرة على الدول من خلال الهيمنة السياسية ، بل يتحكم بانظمة الدول المعنية من خلال الديون الناتجة عن الصراعات السياسية والعسكرية التي يشجعها البنك ، وربما يمولها.
شعرت للحظة أن معظم الدول العربية معنية بهذه العبارة ، لأن الصراع المصطنع الممول من الخارج سيحّول معظم الدول العربية الى دول مديونة خاضعة لسياسات البنك الدولي وشروطه. والحقيقة ان الاموال المهدورة في ساحات القتال ، وفي عمليات تمويل وتسليح المنظمات المسلحة ، هي اموال مقتطعة من حساب الاجيال ، وعلى حساب تنمية الدول العربية ، لأن ما يحدث هو تدمير لعدد من الدول العربية ، كما هي عملية استنزاف للثروة العربية. وخطر في البال ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا ، وباقي الدول المضطربة في العالم الثالث ، وهي دول تحولت الى دول مديونة تابعة ، بسبب الحروب الاهلية والتدخلات الخارجية في شؤونها.
واذكر أن سوريا ، على سبيل المثال ، كانت تتمتع باكتفاء ذاتي بتنوع الانتاج ، وربما كانت الدولة العربية الوحيدة غيرالمديونة بين الدول غير المصدرة للنفط بالمعنى المتعارف عليه ، الى أن تحولت الى ساحة صراع دموي محلي واقليمي ودولي ، وهو الصراع الذي سيحولها الى دولة غارقة في الديون ،عند وقف القتال والتوصل الى حل سياسي. والثابت للعيان ان بعض الاطراف الاقليمية والدولية عملت على ادامة واطالة الصراع من اجل تدمير كامل البنية التحتية في سوريا وتقويض هيكلها الاقتصادي ، وبالتالي انتزاع قرارها السيادي.
الصراع في سوريا وعليها دخل عامه السادس ، ولكن رغم كل الخسائر التي لحقت بالقطر العربي السوري ، لم تتحقق اهداف المشروع المعد الساعي الى تفكيك الدولة وتقسيم البلاد وحل الجيش. ولكن اللافت أنه في اليوم الذي دخل فيه الصراع في سوريا العام السادس ، والذي تم فيه افتتاح مؤتمر جنيف ، فاجأ الرئيس الروسي بوتن العالم بقرار سحب بعض قوات روسيا الجوية واسلحتها النوعية من سوريا ، وهو القرار الذي فتح الابواب امام التكهنات والتوقعات والاجتهادات، وربما الشغب والتضليل الاعلامي.
البعض اذاع واشاع ان موسكو فاجأت دمشق بالقرار في محاولة للضغط عليها لتقديم تنازلات. وهناك من قال ان دمشق اغضبت القيادة الروسية بسبب الاعلان عن الانتخابات البرلمانية قبل تعديل الدستور ، وتسببت بالتشويش على الحراك الدبلوماسي الروسي ، على الرغم من اعلان الحكومة السورية بان الانتخابات استحقاق دستوري والحكومة ملزمة بتنفيذه في وقته المحدد. وهناك من اعتقد ان روسيا مستفزة من تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم ، واعلان خطوطه الحمر عشية مؤتمر جنيف ، أو انها غاضبة وعاتبة على ايران بسبب زيارة رئيس الحكومة التركية اوغلو الى طهران... الكلام كثير ، وله اهدافه ومقاصده !
الذين تبنوا هذه الاراء هم خصوم سوريا ، لأن قرار الرئيس الروسي بوتن يحمل رسائل الى كل الجهات ، وكل الاطراف والاطياف ، ولكنها رسائل ايجابية مريحة لاقت الترحيب من معظم الدول المعنية في الصراع.
الحقيقة أن القرار تم بالتنسيق مع دمشق ، وتم ابلاغ عدد من الدول المعنية به في وقت سابق. والقرار صدر عشية مؤتمر جنيف من اجل خلق اجواء مريحة ومساعدة داخل المؤتمر ، لأن موسكو التي اندفعت بقوة داخل ساحة المواجهة العسكرية بسلاح الطيران ، وغيرت في الواقع الميداني على الارض ، تخوض الان معركة سياسية بذات الاندفاع والحماس ، لقناعة القيادة الروسية بأن الحل السياسي هو الحل النهائي.
القرار الروسي واضح ، كما اهداف موسكو ونواياها ، فالقيادة الروسية ترى أن لا لزوم لهذا الفائض من القوة الجوية باسلحتها النوعية في سوريا اليوم ، دون أن تتخلى موسكو عن قرار استمرار الحرب على الارهاب ، رغم أن الجيش السوري أمسك بزمام المبادرة وخرج من المدن واستعاد معظم الارياف التي كانت تحت سيطرة المنظمات الارهابية. كذلك القرار يحمل رسالة الى الداخل الروسي ، فقد انجز سلاح الطيران الروسي مهمته بنجاح في ضرب المنظمات الارهابية التي يقودها ارهابيون ينتمون الى دول الاتحاد الروسي.
(الرأي 2016-03-17)