عندما يُفْلِس.. «المُفاوضون»!
قِلة قليلة اولئك الذين يعتقدون ان المُعارضات السورية على اختلاف تشكيلاتها ومرجعياتها وخطابها، قادرة على ادارة «مفاوضات» جادة وحقيقية مع الحكومة السورية الشرعية، بهدف اخراج البلاد والشعب السوري من المحرقة غير المسبوقة التي اشعلتها في بلاد الشام، دوائر وغرف سوداء ودول وأجهزة وتحالفات مشبوهة, بهدف تقسيم المنطقة واعادة استعمارها, ولكن وِفق اسس ومبررات اخرى تلحظ المتغيرات التي طرأت على المنطقة والعالم، مقارنة بما كانت الحال عليه قبل قرن من الان، عندما شكّلت مسألة «الرجل المريض» اولوية على طاولة الدول الاستعمارية التقليدية.
ولان وفد المعارضة المُنبثقة عن مؤتمر الرياض، ما يزال يرى في نفسه «مؤهلاً» لِتصدُّر المشهد التفاوضي، وفيما يواصل قادته اطلاق المزيد من التصريحات العنترية ويضعون الشروط التعجيزية حتى ليبدو للمراقب ان جحافلهم قد باتت على ابواب دمشق، ولم يوقفها عن مواصلة تحرير الفيحاء، سوى الضغوط الدولية التي طلبت اليهم، التزام وقف الاعمال العدائية في السابع والعشرين من شباط الماضي.
كل هذا بدا الان نوعا من الهلوسة وتعبيرا فاضحا عن افلاس اخلاقي ومراهقة سياسية، لا تلحظ ما طرأ على موازين القوى الميدانية, ولا تقيم وزنا لمعادلة التحالفات والاصطفافات الجديدة – او تلك الآخذة في التشكّل – وكيف اضطر معظم داعميهم ورعاتهم ومموليهم، ومَنْ يَشُد على اياديهم، ان يغير مواقفه، حدود الاستدارة شبه الكاملة, على النحو الذي رأيناه في الموقف التركي وزيارة داود اوغلو لطهران ثم لقاء اوباما واردوغان على هامش قمة الامن النووي، وهو لقاء لم يكن قائما، لم تلبث ادارة اوباما ان تراجعت عن رفضها، لقاء الرئيسين، لان «تداعيات» ما نشرته «ذي اتلانتيك» حول رأي اوباما في اردوغان، قد اثارت غضبا تركيا رأت واشنطن ان الوقت غير مناسب لادارة ظهرها بالكامل لأردوغان في هذا التوقيت، دون اهمال ابعاد وطبيعة اهداف «الحرب» التي بادر اليها اردوغان بين اذربيجان (التي سيقف معها «حتى النهاية».. كما قال) وارمينيا، في إحياء لأزمة اقليم ناغورني قره باخ, بين الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين حيث معروف ان موسكو «ميّالة» الى تأييد الموقف الارميني.
ما علينا..
يقترب موعد الجولة الرابعة من جنيف3، دون ان تلوح في الافق امكانية حدوث اختراق نوعي او بسيط في هذه الجولة (إنْ عُقِدَت) ليس فقط بسبب «تَمسُّك» وفد معارضة الرياض بـ«همروجة» لا دور ولا لساعة واحدة للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية التي ستكون صلاحيات هيئتها «كاملة» بما فيها صلاحيات الرئيس، بل وايضا لان هذا «الوفد» تحديدا، قد كشف عن طبيعة خطابه ورؤاه السياسية عندما بادر الجنرال اسعد الزعبي، رئيس الوفد التفاوضي الى الغمز من قناة كورد سوريا وتحقيرهم, من خلال عبارة تفيض عنصرية بقوله: إن الكورد كانوا يتوسلون حافظ الأسد، كي يمنحهم صفة» «بني آدم» (كذا)..
هذا التصريح العنصري الذي حاول الزعبي نفيه (ولم ينجح بالطبع) دفع رياض حجاب «المُنسق» العام لوفد الرياض، للذهاب على وجه السرعة الى اربيل لمحاولة تطويق ذيول التصريح العنصري لأسعد الزعبي، فيما علّق المجلس الوطني الكردي (المُمثّل في هيئة رياض حجاب بالضِد من قوات حماية الشعب (YPG) وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري برئاسة صالح مسلم «PYD») عضويته في الوفد مُطالِباً بـ»تغيير» رئيس الوفد أسعد الزعبي.
على الضفة الاخرى، برز موقف لافت من رئيس «تيار قمح» هيثم منّاع، الرئيس المُشارك في مجلس سوريا الديمقراطية، عندما اعلن استقالته من «المجلس» احتجاجا على اعلان «فيدرالية روج آفا»... وبصرف النظر عن انسجام مناع مع نفسه وقناعاته وكثرة تقلباته طوال السنوات الخمس الماضية من عمر الازمة السورية، الا ان ما يجري داخل «هيئة وفد الرياض» هو الاكثر اضاءة على طبيعة المأزق الذي وصلت اليه معارضة مهترئة ورثّة كهذه، لا تُقيم الا في الفنادق ولا وجود لها على الارض السورية ولنقرأ – على سبيل المثال – ما كتبه احد ابرز مُنظِريهم دائم التقلب والتنقل والخسارة الدائمة ونقصد هنا ميشيل كيلو في مقال له تحت عنوان «هزائم الثورات» نشره في صحيفة العربي الجديد: «...لا يكفي ان تكون الثورة على حق.. كي تنتصر، ومَنْ يتابع تجارب التاريخ، يعلم ان انتصار بعض الثورات لم يرجع فقط الى انسجامها مع مسار تاريخي وانساني ومستقبلي، بل الى حقيقة اضافية، هي ان مَنْ (قادوها) عرفوا كيف يوفرون شروط انتصارها، في واقع صراعي يتخطى الكلام والاماني وكيف يجعلون منها، أداة لترقية حياتهم وتلبية حاجاتهم وميدانا لصراع يتعين انتصارهم فيه، بنمط وعيهم وصواب فاعليتهم، ونجاعتها».. انتهى الاقتباس.
هل ثمّة صلة إذاً بين التصريحات العنترية, والحماسة المُفتعلَة أمام كاميرات التلفزة؟ وبين ما يجب ان تكون عليه الاوضاع الميدانية، وخصوصا في تجنيب سوريا وشعبها, المخطط الجهنمي الذي ما يزال هناك من «يتوهم» أنه قادر على تمريره؟
(الرأي 2016-04-06)