نزع «الجنسية» بين.. أردوغان وهولاند!
مرة اخرى.. تعود مسألة نزع الجنسية عن مواطنين لدولة ما, ثَبت او اشتُبِه بتورطهم في قضايا الارهاب... الى الواجهة، بعد ان ظن كثيرون انها قد طويت وباتت من الماضي وبخاصة إثرالجدل الذي احتدم على الساحة الفرنسية بعد تفجيرات تشرين الثاني الماضي، وبروز توجه كهذا في دوائر صنع القرار الفرنسي وعلى الاخص داخل اروقة وزارة العدل، الامر الذي ادى في البداية الى معارضة وزيرة العدل ذاتها كريستيان توبيرا، ثم تقديمها استقالتها, بعد ان وجدت «مُعارَضة» لمُعارضتِها، الامر الذي دفع بها الى امتطاء دراجتها الهوائية ومغادرة ساحة قصر الإليزيه الشهيرة, غير آسفة على منصبها الرفيع, الذي خالف البقاء فيه قناعاتها, ما اضطرها الى القول في معرض تبرير استقالتها «..لتكون الكلمة الفصل للأخلاقيات والحق».
طبعا مياه غزيرة تدفقت في نهر السين الباريسي منذ ذلك الوقت، وكان الابرز هو تراجع حكومة مانويل فالس، عن مشروع القانون الذي كانت بصدد طرحه على الجمعية العمومية الفرنسية، والغائه، وكأنه لم يكن, وفازت الوزيرة المُستقيلة معنويا وأخلاقياً, رغم انها لم تعد الى ممارسة عملها في وزارة العدل, بعد ان تم ملء هذا الشاغر، الا ان اللافت فيه هو سقوط المنطق القانوني لاجراء غير قانوني كهذا، رأى خبراء حقوقيون ومنظمات معنية بحقوق الانسان, انه لا يجوز للدولة اي دولة ان تنزع الجنسية عن مواطنها مهما كانت «جريمته» الا في اطار القوانين الاساس والدستورية للبلاد، ما ينفي وبالضرورة, الانفعال او المزاجية او استغلال ظروف سياسية ما, من اجل تحقيق مكاسب حزبية او انتخابية، كما كانت الحال في فرنسا ابان التفجيرات الاخيرة في باريس..
كذلك فان عودة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، للتلويح بخيار كهذا، ضد شريحة من المواطنين الأتراك (أقرأ الكورد) يدفع للاعتقاد وبان المسألة تجد هوى وميلاً لديه, لممارسة اكبر قدر من الضغوط على مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي PKKوقيادته السياسية، بعد ان لم تفلح كل الحملات العسكرية التي جرّدها الجيش التركي على معاقل الكورد في مناطقهم (جنوب شرق تركيا) وفشل عمليات الاجتياح والاغلاقات ومنع التجول واعتبار تلك المناطق «عسكرية» بكل ما يعنيه هذا من اعلان لحال الطوارئ وعدم التوقف عند الاعتبارات القانونية والدستورية، وكأنها حال حرب بل هي كذلك، ما زاد من المخاوف بان الرئيس التركي الذي نعى «الهدنة» واطلق رصاصة الرحمة على اي مفاوضات سلمية باعلانه عزمه «القضاء على حزب العمال الكردستاني»، مُستبعِدا اي فرصة لاستئناف المفاوضات لأن: «دولتنا لن تُحقِّق اي مكسب بالتحاور مع الارهابيين، هذه القضية انتهت»، على ما حسم اردوغان،الذي يوشك على ادخال تركيا مرحلة جديدة من الصراع المفتوح من كورد الـPKK (وامتدادهم السوري بالطبع حيث يتهم واشنطن بانها تُحوِّل المنطقة الى «بركة دماء» لدعمها اكراد سوريا).
اين من هناك؟
ثمة اعتبارات سياسية ودستورية وقانونية للتعاطي مع مسألة نزع او سحب جنسيات «مواطنين» في اي دولة، ما بالك اذا كان الاستناد الى مُعارَضة سياسية قد تأخذ طابع الارهاب والعمل العسكري غير المشروع ما يستدعي ايجاد نصوص وقواعد ومحددات واضحة، تُلغي اي امكانية لاستغلال تشريع (ولو مؤقت) ينص على سحب او نزع الجنسية، فقط لان الاغلبية او الحزب الحاكم، يرى في هذه الشريحة من المواطنين «خونة» على ما قال الرئيس اردوغان «..علينا اتخاذ كل الاجراءات، بما فيها سحب الجنسية، لمنعهم من الحاق اي ضرر».. وهؤلاء – يضيف اردوغان – لا يستحقون ان يكونوا مواطنينا، لسنا مُجبرين على ان نحمل وزر اي كان، يُمارِس الخيانة بحق دولته وشعبه».
فهل ثمة شك الان بان المزاج والموقف السياسي والشعور الزائد بالثقة وفائض القوة هو الذي يحرك نوازع سياسية كهذه؟ ترى في مَنْ يُعارِض خائنا, ولا يستحق ان يكون «مواطناً»، بل لسنا مُجبَرين على ان نحمل وزره؟.على ما قال اردوغان في خطابه الغاضب, أمام نقابة المحامين في أنقرة.
ربما تُلَخِّص عبارة وزيرة العدل الفرنسية المستقيلة كريستيان توبيرا، المشهد على نحو اكثر وضوحا وانسجاما مع النفس والاستقامة السياسية والاخلاقية.. «.. لتكون الكلمة الفصل... للأخلاقيات والحق».
(المصدر: الرأي 2016-04-07)