حراك روسي أوروبي .. وغياب أميركي !
قرأت أن السوريالية في الفن تمثل نهجا لا حدود فيه بين الواقع والحلم . وابحث الآن عن مصادر تفسر معنى السوريالية في السياسة ، في محاولة لفهم وتفسير المشهد السوريالي السياسي العربي الراهن ، حيث اختلطت الالوان والخطوط والاطياف في تشكيل بالغ التعقيد والصعوبة .
ما نراه داخل اطار هذا المشهد يفوق الحلم والواقع معا ، بل يصطدم فيه الحلم بالواقع اصطداما دمويا ، وبشكل غير معقول ، يتراوح بين المد والجزر ، حسب التقلبات المتسارعة في التحالفات ، بعيدا عن القرار السيادي العربي ، وبشكل مخالف للقاعدة التي تقول بأن حركة التاريخ الواقعية تتقدم الى الامام في اتجاه جبري حتمي ، لأن التاريخ لا يعود الى الوراء ، وهو ما اتفق حوله كل الفلاسفة .
في المشهد العربي الراهن ثبت ما هو عكس القاعدة ، لأن العالقين في الماضي هدموا الحاضر ، وهزموا التاريخ ، واوقفوا تقدم الامة نحو المستقبل ، ليتركوا فراغا كبيرا فتح شهية كل الطامعين الباحثين عن مصالحهم من الشعوب والامم القريبة والبعيدة للبحث عن غنيمة او فريسة ، عبر تحويل الجغرافية العربية الى مساحة للتقاسم في سوق العرض والطلب ، او بهدف تقويض وتفكيك الدول العربية المعنية ، والغاء الهوية العربية ، وتقسيم التركة الى حصص لكل حسب قدراته وحاجته ، وبالتالي اقامة دويلات طائفية وعرقية تقدم خدماتها للغزاة على حساب المصالح العربية تلغي الهوية العربية .
هذا الواقع الرديء ، في ظل فراغ عربي كامل ، هو الذي شجع الطامعين المتربصين على الحدود والثغور ، الى التدخل باستخدام كل الوسائل المتاحة ، لاثارة الحروب المذهبية والعرقية والقبلية ، وتخريب نسيج المجتمعات في البلاد العربية لتفكيكها ، وتعديل خرائط المنطقة ، وهو الذي دفع برئيس حكومة اليمين في اسرائيل نتنياهو الى الاستعجال باعلان الجولان « ارض اسرائيلية» ابدية! أي ان الجولان المحتل هو حصة اسرائيل ضمن المشروع التقسيمي المعد لسوريا ، رغم الواقع العسكري والامني الجديد الذي افشل المشروع المشبوه .
واللافت أن نتنياهو كرر هذا الاعلان ، بعيدا عن اللياقة ، خلال زيارته الاخيرة الى موسكو ، وبعدها ، ليوحي بانه قادر على اللعب مع بوتن واحراجه على طريقة سلوكه مع اوباما ، خصوصا انه اصطحب معه الى الكرملين وزير الاستيعاب والهجرة زئيف الكين المولود في الاتحاد السوفياتي ، لتذكير الرئيس الروسي بوجود جالية روسية يهودية في اسرائيل ، وربما اراد توجيه رسالة ابعد من ذلك ، اي انه أوحى بالقدرة على تفعيل اللوبي اليهودي الصهيوني في روسيا ، على الطريقة الاميركية .
ويبدو ان روسيا بدات التعامل بليونة مع اطراف عديدة في المنطقة ، رغم الاختلاف في النوايا والاهداف ، والتفسير الوحيد لهذه المهادنة ، ربما لديها اجندة خاصة كبيرة تخدم مصالحها وهي بحاجة الى استخدام اللغة الدبلوماسية والسياسية لانجاح خطتها التي تتضمن ايضا معالجة وحل قضايا معقدة وصعبة في المنطقة ، بعد الانكفاء الاميركي ، وقد تكون المسالة السورية واحدة منها ، لأن الرئيس الروسي وعد بفتح ملف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية أيضا .
وياتي الحراك الروسي في ظل غياب اميركي وحضور اوروبي لافت ، حيث ظهرت مبادرة سياسية دبلوماسية فرنسية مفاجئة ، وبدعم اوروبي ، حيث بدات باريس ، عقب جولة الرئيس هولاند مباشرة ، بالتحضير لمؤتمر وزراء خارجية الدول المعنية لاحياء المفاوضات حول حل الدولتين تحت سقف برنامج زمني ، اضافة الى سعيها بالتدخل لحل ازمة الرئاسة في لبنان .
وما يثير الاستغراب والدهشة هو غياب الدور الاميركي في التحضير لمؤتمر باريس ، ففي حين تتحدث المصادر الفرنسية عن تطلعاتها لدور روسي فاعل في المؤتمر ، فلا نسمع اي ذكر لدور اميركي رغم ان الولايات المتحدة كانت الراعية لكل المفاوضات السابقة التي غاب عنها النجاح ، بسبب التعنت الاسرائيلي ورفض الحكومات اليمينية المتعاقبة وقف الاستيطان ومصادرة الاراضي .
امام هذه التطورات يجب لفت الانظار الى الغياب العربي الكامل عن المشهد ، وكأن ليس لنا رأي حول ما يقرره الاخرون لنا ، وكأننا خرجنا من التاريخ ، وتخلينا عن كل الخيارات . والدليل على ذلك عدم التوصل الى بلورة موقف عربي موحد من تصريحات نتنياهو حول الجولان المحتل .
بالمقابل هناك اسرائيل وهي المستفيد الاوحد من الحروب الاهلية العربية ، وهي قادرة على التحرك بحرية في تنفيذ مشروعها في الجولان وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة ، كما هي قادرة على رفض أي حل يتجاوز شروطها ، أو نسف نتائج وقرارات كل المؤتمرات ، حتى التي تعقد تحت مظلة الشرعية الدولية .
(الرأي 2016-04-25)