حراك روسي أوروبي .. وغياب أميركي !

تم نشره الإثنين 25 نيسان / أبريل 2016 12:53 صباحاً
حراك روسي أوروبي .. وغياب أميركي !
محمد كعوش

قرأت أن السوريالية في الفن تمثل نهجا لا حدود فيه بين الواقع والحلم . وابحث الآن عن مصادر تفسر معنى السوريالية في السياسة ، في محاولة لفهم وتفسير المشهد السوريالي السياسي العربي الراهن ، حيث اختلطت الالوان والخطوط والاطياف في تشكيل بالغ التعقيد والصعوبة .

ما نراه داخل اطار هذا المشهد يفوق الحلم والواقع معا ، بل يصطدم فيه الحلم بالواقع اصطداما دمويا ، وبشكل غير معقول ، يتراوح بين المد والجزر ، حسب التقلبات المتسارعة في التحالفات ، بعيدا عن القرار السيادي العربي ، وبشكل مخالف للقاعدة التي تقول بأن حركة التاريخ الواقعية تتقدم الى الامام في اتجاه جبري حتمي ، لأن التاريخ لا يعود الى الوراء ، وهو ما اتفق حوله كل الفلاسفة .

في المشهد العربي الراهن ثبت ما هو عكس القاعدة ، لأن العالقين في الماضي هدموا الحاضر ، وهزموا التاريخ ، واوقفوا تقدم الامة نحو المستقبل ، ليتركوا فراغا كبيرا فتح شهية كل الطامعين الباحثين عن مصالحهم من الشعوب والامم القريبة والبعيدة للبحث عن غنيمة او فريسة ، عبر تحويل الجغرافية العربية الى مساحة للتقاسم في سوق العرض والطلب ، او بهدف تقويض وتفكيك الدول العربية المعنية ، والغاء الهوية العربية ، وتقسيم التركة الى حصص لكل حسب قدراته وحاجته ، وبالتالي اقامة دويلات طائفية وعرقية تقدم خدماتها للغزاة على حساب المصالح العربية تلغي الهوية العربية .

هذا الواقع الرديء ، في ظل فراغ عربي كامل ، هو الذي شجع الطامعين المتربصين على الحدود والثغور ، الى التدخل باستخدام كل الوسائل المتاحة ، لاثارة الحروب المذهبية والعرقية والقبلية ، وتخريب نسيج المجتمعات في البلاد العربية لتفكيكها ، وتعديل خرائط المنطقة ، وهو الذي دفع برئيس حكومة اليمين في اسرائيل نتنياهو الى الاستعجال باعلان الجولان « ارض اسرائيلية» ابدية! أي ان الجولان المحتل هو حصة اسرائيل ضمن المشروع التقسيمي المعد لسوريا ، رغم الواقع العسكري والامني الجديد الذي افشل المشروع المشبوه .

واللافت أن نتنياهو كرر هذا الاعلان ، بعيدا عن اللياقة ، خلال زيارته الاخيرة الى موسكو ، وبعدها ، ليوحي بانه قادر على اللعب مع بوتن واحراجه على طريقة سلوكه مع اوباما ، خصوصا انه اصطحب معه الى الكرملين وزير الاستيعاب والهجرة زئيف الكين المولود في الاتحاد السوفياتي ، لتذكير الرئيس الروسي بوجود جالية روسية يهودية في اسرائيل ، وربما اراد توجيه رسالة ابعد من ذلك ، اي انه أوحى بالقدرة على تفعيل اللوبي اليهودي الصهيوني في روسيا ، على الطريقة الاميركية .

ويبدو ان روسيا بدات التعامل بليونة مع اطراف عديدة في المنطقة ، رغم الاختلاف في النوايا والاهداف ، والتفسير الوحيد لهذه المهادنة ، ربما لديها اجندة خاصة كبيرة تخدم مصالحها وهي بحاجة الى استخدام اللغة الدبلوماسية والسياسية لانجاح خطتها التي تتضمن ايضا معالجة وحل قضايا معقدة وصعبة في المنطقة ، بعد الانكفاء الاميركي ، وقد تكون المسالة السورية واحدة منها ، لأن الرئيس الروسي وعد بفتح ملف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية أيضا .

وياتي الحراك الروسي في ظل غياب اميركي وحضور اوروبي لافت ، حيث ظهرت مبادرة سياسية دبلوماسية فرنسية مفاجئة ، وبدعم اوروبي ، حيث بدات باريس ، عقب جولة الرئيس هولاند مباشرة ، بالتحضير لمؤتمر وزراء خارجية الدول المعنية لاحياء المفاوضات حول حل الدولتين تحت سقف برنامج زمني ، اضافة الى سعيها بالتدخل لحل ازمة الرئاسة في لبنان .

وما يثير الاستغراب والدهشة هو غياب الدور الاميركي في التحضير لمؤتمر باريس ، ففي حين تتحدث المصادر الفرنسية عن تطلعاتها لدور روسي فاعل في المؤتمر ، فلا نسمع اي ذكر لدور اميركي رغم ان الولايات المتحدة كانت الراعية لكل المفاوضات السابقة التي غاب عنها النجاح ، بسبب التعنت الاسرائيلي ورفض الحكومات اليمينية المتعاقبة وقف الاستيطان ومصادرة الاراضي .

امام هذه التطورات يجب لفت الانظار الى الغياب العربي الكامل عن المشهد ، وكأن ليس لنا رأي حول ما يقرره الاخرون لنا ، وكأننا خرجنا من التاريخ ، وتخلينا عن كل الخيارات . والدليل على ذلك عدم التوصل الى بلورة موقف عربي موحد من تصريحات نتنياهو حول الجولان المحتل .

بالمقابل هناك اسرائيل وهي المستفيد الاوحد من الحروب الاهلية العربية ، وهي قادرة على التحرك بحرية في تنفيذ مشروعها في الجولان وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة ، كما هي قادرة على رفض أي حل يتجاوز شروطها ، أو نسف نتائج وقرارات كل المؤتمرات ، حتى التي تعقد تحت مظلة الشرعية الدولية .

(الرأي 2016-04-25)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات