دعهم يغضبوا ..ودعنا نفعل ما نشاء
هناك موضة جديدة في البلد عمرها من عمر الربيع العربي تقريبا، هذه الموضة تتبناها الحكومات وعنوانها يقول دع الناس يغضبوا ويتكلموا، وينفسوا عن غضبهم بوسائل مختلفة، ودعنا لا نسمع، ونفعل ما نشاء. هذا اسلوب جديد، يراد عبره اطفاء الغضب من جهة، وتحويله الى مجرد روتين، والذي يتابع الصحف والمواقع الإلكترونية، يجد عشرات الملاحظات اسبوعيا، حول قضايا عدة، من مخالفات السير، وصولا الى سعر النفط، مرورا بأداء الحكومة والنواب. لكننا لم نعد كما كنا، فالموضة الجديدة تتطلب أن يعبر الناس عن رأيهم فيما تمارس الجهات المسؤولة تعاميا مقصودا عن كل ما يثيره الناس، ولم نعد نسمع عن تلك الجهات التي ترصد الرأي العام، وتخرج باستخلاصات، تتم معالجتها لاحقا او سريعا. في هذا الامر اهانة للرأي العام، او تصغير لاكتافه، وبهذا الشكل تتحول الديمقراطية الى وسيلة تنفيس للضغط العصبي، ونلاحظ بشكل واضح، ان هناك ميلا لان يبقى الناس في هذه الزاوية، فكلما غضبت اكتب تعليقا او بوستا او مقالا، باعتبار كل ماسبق مجرد دواء مسكن، واذهب لنومك، وقد أديت الامانة، وعبرت عن رايك. لكن ما لذي يتغير فعليا.لا شيء. والمؤسف ان هذا الاتجاه يريد بديلا عن اشكال التعبير العنيفة، لكنه لا يريد احترامه او الوقوف عند دلالاته، ولا منحه اي شرعية، وفي الوقت ذاته لا تحتمل الجهات الرسمية اي مظاهرة ضخمة، او عنف قد يقع، وان كانوا يقبلون مسيرة صغيرة او وقفة من باب التعبير عن الرأي، باعتبارها تعكس دورا وظيفيا، لتنفيس الغضب مثل التعليقات والبوستات والمقالات. هذا لا يعبر -ايضا- عن حكمة، او عن مؤسسات ثقيلة وازنة، لا يهزها مقال، ولا نقد، ولا رأي، وهذا يعبر فقط، عن –تطنيش- كمال يقال بالعامية، ولا تعرف هل هذا دليل ثقة بالنفس، او عدم قدرة على حل المشاكل، او أنه لا أحد يسأل في مؤسسات القرار، باعتبار ان كل هذا كلام في الهواء. اذا كانت الدولة تجرم العنف، واشكال التعبير السيئة، فعليها ان تعيد الاعتبار لاشكال التعبير الايجابية السلمية، بدلا من هذا الصمم الذي نلحظه، وعلينا ان نجري دراسة لآخر اثني عشر شهرا، وما تضمنته وسائل الاعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، وسنلاحظ ان البلد انقسم الى نصفين، الاول يعبر عن قضاياه ومشاكله، والثاني لا يسمع، ولايقرأ. شعار «دعهم يغضبوا ودعنا نفعل ما نشاء» شعار يعبر عن خفة سياسية، وسوء ادارة للموقف؛ لأن من يتبنون هذا الشعار يقولون ضمنيا: «إنهم يستهزئون بكل ماحولهم» وفي الوقت ذاته، عليهم ان يتوقعوا ان تحويل حرية الرأي الى حرية شكلية، بدلا من كونها جذرية مؤثرة على القرار، تحويل مكلف الثمن جدا، لو كانوا يبصرون.
المصدر: الدستور 26/4/2016