معركة حلب..قادِمة أم مُؤجّلة؟
بعد ان لم يعد ثمة مؤشر على ان محادثات جنيف السورية بجولتها الرابعة، ستُستأنف في المدى المنظور القريب اقله في الشهر الجاري، وربما الى ما بعد شهر رمضان الوشيك، بعد ان راجت أنباء بأنها ستبدأ في العاشر من الشهر الجاري بعد فشل الجولة الثالثة, بالانسحاب الاستعراضي المتهوّر وغير الذكي الذي قام به وفد مؤتمر الرياض، يبدو ان الرهان الآن بات على الحسم العسكري، الذي لاحت بوادره في أواخر الشهر الماضي، الى ان اندلعت حملة تضليل وتزوير للحقائق الميدانية, تولتها جهات اقليمية ودولية تحدثت عن مجازر مزعومة في المدينة المُقسّمة, وعن غارات روسية وسورية في قسمها الشرقي الخاضع للجماعات الارهابية, ثم انكشف تلكّؤ واشنطن، بل هي تواطأت كي لا تقوم بتنفيذ تعهداتها الرامية الى فصل ما يسمى بالمعارضة المعتدلة المحسوبة عليها وعلى معسكرها الاقليمي, عن ارهابيي جبهة النصرة افرع السوري لتنظيم القاعدة, الذين يشكلون رأس الحربة في استهداف المدنيين والمرافق العامة والمشافي في احياء غربي المدينة الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية.
ما زاد من العويل والضجيج المفتعل والمُضلّل لمعسكر الداعمين للمسلحين والارهابيين في سوريا, هو استثناء حلب من الهُدَن ووقف اطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه بين واشنطن وموسكو في ريف دمشق وريف اللاذقية، الامر الذي زاد من الاعتقاد – ولو اعلامياً – بان اقتحام الاحياء الشرقية لحلب من قبل الجيش السوري بات وشيكاً، وان الهدف من الغارات المُدمِرة وغير المسبوقة – كما زعموا – هو تفريغ احيائها من المدنيين تمهيداً لاجتياحها.
لم يحدث ذلك – حتى الآن بالطبع – بل كان القصد من الغارات والقصف على المُسلّحين, هو الرد على قذائفهم وجرائمهم التي استهدفت احياء حلب الغربية، لكن برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس السوري الى نظيره الروسي في مناسبة يوم النصر على الفاشية والنازية (الذي يصادف اليوم... التاسع من ايار) وتأكيده على ان اعادة حلب الى حضن الدولة وسحق الارهابيين هو الهدف الحالي للجيش السوري، زاد من هلع الجماعات الارهابية واضاء الانوار الحمراء في غرف عمليات داعمهم ورُعاتهم ودوائرهم الاستخبارية, الى ان تنطحت واشنطن بالقول: إن اقوال الرئيس السوري هذه غير مقبولة على الاطلاق، في الوقت ذاته الذي غضّت طرفها وطرف معسكرها في المنطقة, الذي يزود الارهابيين وفي شكل مُعلَن بالاسلحة والعتاد وعديد الارهابيين ويتعهد بمزيد من الدعم لهم، عن اجتياح ثلاثة آلاف إرهابي من «جيش فتح» الذي تقوده جبهة النصرة وتشارك فيه كتائب احرار الشام ونور الدين زنكي وغيرها من المنظمات الارهابية لبلدة خان طومان في ريف حلب الجنوبي، الذي هلّلت له وسائل اعلام هذا المعسكر واعتبرته «رداً» على قصف النظام والروس لحلب ومنعاً او احباطاً لخطة تحرير واستعادة احيائها الشرقية التي يسيطر عليها الارهابيون.
اين من هنا؟
ليس ثمة شكوك بأن خطة الجيش السوري الرامية الى استكمال تطويق الاحياء الشرقية من حلب تسير وفق اجندتها الزمنية, وإن تأثرت–ضمن امور اخرى–بعراقيل او مناخات ضاغطة او اجواء غير ملائمة ,كتلك المحاولات التي نجح الاميركيون فيها، باستصدار موافقة سورية وروسية على «هُدَن» تشمل مدينة حلب (وليس اريافها بالمناسبة) كانت آخرها تلك المُستمِرة لاثنتين وسبعين ساعة تنتهي مساء اليوم الاثنين، لا يعلم أحد حتى الان ما إذا سيتم تجديدها أم ان معركة حلب الحاسمة باتت مسألة وقت ليس إلاّ، وما هي حظوظ تأجيلها وهل سيتم اطلاق يد الجيش السوري لتحرير محور الكاستيلو, الذي بالسيطرة عليه سيكون حصار احياء حلب الشرقية قد استُكمِل، ما يعني ان ليس لدى المسلحين من خيارات (هي محدودة في كل حال) سوى الاستسلام, كما حدث في حمص وبخاصة حي بابا عمرو الشهير ولاحقاً حي الوعر، ام انهم سيراهنون على الدعم المباشر الذي ما تزال تقوم به الاستخبارات والجيش التركيين, للحؤول دون عودة حلب الى كنف الدولة السورية، حيث تُشكل هذه العودة التي لم تعد مستحيلة، ضربة قاصمة للمعسكر والتحالف الدولي, الذي شن الحرب الارهابية على سوريا ومؤشراً على ان كسر شوكة الارهاب ودحره في كامل الاراضي السورية,... قد بات وشيكاً.
معركة حلب الواقِعة لا محالة, ستكون حرباً بين ارادتين ورؤيتين ولن تقتصر نتائجها على افرازات الميادين العسكرية، بقدر ما ستضع حجر الاساس لمرحلة نوعية جديدة, تبدأ بهزيمة معسكر الارهابيين وداعميهم ومموِليهم ورُعاتهم, الذين ظنوا ان من السهولة رسم خرائط جديدة للمنطقة, واطاحة انظمة عبر استخدام الارهاب وتجنيد شذاذ الافاق والمرتزقة واستخدام الاموال, في تدمير الدول وضرب نسيجها الوطني والاجتماعي تحت شعارات وذرائع مفتعلة.
معركة حلب غير مرشحة للتأجيل, بعد ان لم تعد ثمة خيارات أمام نهجين سوى بانتصار احدهما وهزيمة الآخر, الذي هو الان ودائما, ظلامي وارهابي,مُستبِد وفاسد.
(الرأي 2016-05-09)