ثورة الماء والطاقة
تتشكل اليوم فرصة عظيمة لتوفير الماء والطاقة من مصادر متجددة، وبتكلفة معقولة، وتكنولوجيا رفيقة بالبيئة. وفي ذلك فإن الدول والمجتمعات، والمدن على نحو خاص، مرشحة لأن تدخل في مرحلة اقتصادية واجتماعية متقدمة؛ إذ أصبح في مقدور المدن والبلدات، كما الدولة المركزية بالطبع، أن توفر لنفسها، بشركات ومؤسسات على مستوى المدن كما الدولة، الماء والطاقة. وإذا أضيف إلى ذلك تكرير المياه المستخدمة وإعادة استخدامها في الري؛ والاستخدام الفعال والرشيد لمصادر المياه الطبيعية، يكون ممكناً أن تنشئ اقتصادات مكتفية إلى حد كبير، وقادرة على توفير الماء والطاقة والغذاء، وإقامة مشروعات اقتصادية صناعية وتجارية وخدمية حول هذه الموارد والتجمعات السكانية القائمة حولها. وبذلك، فإنه يمكننا في الأردن تخفيض فواتير استيراد الطاقة والغذاء؛ ما يرشح العجز في الميزان التجاري لأن ينخفض بنسبة لا تقل عن 50 %. كما أن المدن والبلديات ستكون قادرة على الاعتماد على مواردها الذاتية بنسبة كبيرة، وأن تنشئ شراكة فاعلة وقوية مع الحكومة والأسواق في تنظيم وإدارة الخدمات، وفي التوظيف والولاية الاجتماعية والثقافية.
التطورات الثورية المتحققة اليوم في تكنولوجيا الطاقة؛ من مصادر متجددة ونظيفة، وتحلية المياه بتكلفة منخفضة، تنشئ وعودا كبيرة ومهمة في توفير الموارد الأساسية للمجتمعات والدول النامية، كما المتقدمة، ليكون في مقدورها بناء منظومات اقتصادية اجتماعية قادرة على تطوير التنمية الإنسانية ومستوى المعيشة، وإعادة توجيه الإنفاق والاستثمار في اتجاهات جديدة، تمكّن المجتمعات والمدن من التشكل وإدارة الخدمات الأساسية وتنظيمها، مثل التعليم والصحة وتطوير الزراعة وفرص الحصول على مياه آمنة ونظيفة للشرب، وسد الفجوة في الناتج المحلي بتقليل الواردات من الطاقة والغذاء.
يتوقع أن يشهد العالم، بحلول العام 2020، حالة جديدة من انتشار تطبيقات الطاقة والمياه تقلل من الانبعاث، وتزيد فرص الحصول على الماء والطاقة بتكلفة معقولة. وقد بدأت بالفعل دول كثيرة تعاني من نقص الموارد المائية بتطبيقات لتكنولوجيا تحلية مياه البحر، تمكّن المدن من الحصول على كامل احتياجاتها من الماء للاستخدامات المنزلية، بتكلفة معقولة (حوالي نصف دولار للمتر المكعب الواحد) من دون دعم حكومي. وفي ذلك، سيكون الاستثمار في تحلية المياه معقولاً ومفيداً للشركات والمجتمعات.
سيكون المفتاح الأساسي في الطاقة النظيفة هو توليد الطاقة الكهربائية من مصادر متجدّدة ومنخفضة التلوث، والتوسع في استخدامها وتطبيقها في المباني، وفي السيارات ووسائل النقل العام. ويتوقع أنه بحلول العام 2050 سينخفض الاعتماد على الطاقة الأحفورية إلى 7 %، وهو اليوم يزيد على 70 %. وكان ذلك قبل فترة قصيرة، يعتبر إنجازاً بالنظر الى الكلفة العالية للطاقة المتجددة.
وبعد التوسع في استخدام السيارات ووسائل النقل الكهربائية، سوف يتجه العالم إلى بناء شبكات كهرباء تعتمد على الطاقة المتجدّدة المستمدة أساساً من الشمس والرياح ومصادر أخرى، مثل باطن الأرض. ويبدو ذلك اليوم واعداً وممكناً بتكاليف معقولة، وبتقنيات أقل تعقيداً.
بالطبع، ما تزال الوعود مصحوبة بتعقيدات وتكاليف ليست سهلة. لكن التوسع في البحوث وتمويلها، وما أمكن إنجازه وتطبيقه بالفعل، يشيران إلى إمكانية تحقيق هذه الوعود.
يجري اليوم في الصين إنتاج ثلثي الألواح الشمسية المستخدمة في العالم، ولا تزيد نسبة البحث في تطوير الصناعة عن 1 % من ميزانيات الشركات العاملة في هذا المجال. لكن، على الرغم من ذلك، يتحدث الباحثون عن ثورة قادمة في هذا المجال، مردّها الإصرار العالمي على تخفيض نسبة انبعاثات الغازات المسببة للتلوث وارتفاع حرارة الأرض، بنسبة 80 %؛ وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بتطوير الطاقة المتجددة.
(الغد 2016-05-14)