طالب في السابعة والسبعين !!
في حمى هذا الزحام الفضائي وما يبث على مدار الساعة من اخبار يرشح منها الدم ويغطي الشاشات ثمة اخبار صغيرة تتسلل على استحياء، لكنها لا تستوقف احدا رغم ان هذا الكون فيه كما قالت اديث سيتويل ما يتسع للأسد والفراشة وشجرة السنديان وشجرة اللبلاب . الخبر الذي اعنيه عن طالب مصري في كلية الطب عمره سبعة وسبعون عاما وقد رحل قبل يومين فقط وهو في السنة الاخيرة من دراسته . وبعيدا عن موسوعة غينيز وتنافس زبائنها في تسجيل ارقام قياسية فإن هذا الطالب واسمه فتحي هو الطالب الاكبر سنا في العالم، لكنه ليس الاكبر سنا في التاريخ، لأن القدماء من العلماء والفقهاء كانوا يصنفون انفسهم بطلاب علم حتى وهم في التسعين، لهذا كانت اسماؤهم من طراز ابن رشد وابن خلدون وابن سينا وابن النفيس بعكس الاسماء في زماننا حيث الجميع آباء حتى من مات منهم اعزب ! الطالب فتحي ابن السابعة والسبعين يقدم للعالم نموذجا لانسان تحررت احلامه وارادته من كل عوامل الشّلل والخضوع، ولو قدّر له ان يتخرج من كلية الطب لمارس المهنة وهو في الثمانين، لكنه لم يفكر بذلك، ومارس قسم ابوقراط على طريقته حين قرر ان يطلب العلم في السبعين حتى لو كان هذا العلم في واق الواق وليس في الصين ! اهمية هذا النموذج البشري الباسل تكمن في رفضه لثقافة التّنبلة السائدة في عالمنا العربي حيث يقال للرجل او المرأة اذا بلغ احدهما الخمسين انه مسك الختام، وحيث يفرض علينا وقار مبكر ينعكس على الوان بيوتنا وثيابنا ويصبح الضحك ممنوعا الا اذا استأذنا من الشيطان الذي نستعيذ به كلما فرحنا او ضحكنا او خفق القلب . رسالة الطبيب فتحي الذي لم يمارس المهنة الينا جميعا هي انه ما من شيء اسمه فات الاوان او مرّ القطار، فالآدمي الجدير بهذا النسب يبقى وفيا للحياة بكل ما فيها حتى الرمق الاخير وقطرة الرحيق الاخيرة!
(الدستور 2016-05-17)