الخروج من الأوهام!
بدأت الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة، أمس، جلساتها لمناقشة مشروع قانون وحيد فقط، هو صندوق الاستثمار الأردني.
القانون المتوقّع على درجة كبيرة من الأهمية من حيث الجوهر. لكنّ من الضروري، في الوقت نفسه، أن نخفّض سقف التوقّعات المترتبة عليه، بخاصة على المدى القريب؛ هذا أولاً. وثانياً -وهو الأهم- من الضروري أن نفهم جيّداً التحولات العميقة في استراتيجية المساعدات الخليجية للأردن، وما يترتب على ذلك من ضرورة إعادة التفكير في كيفية مواجهة معضلات الموازنة العامة، التي لن تستفيد مباشرةً من الاستثمارات الخليجية.
على صعيد المدى الزمني، فإنّ "الصندوق" سيتأسس على القانون، ويحتاج إلى قرابة شهر لإقراره ونشره في الجريدة الرسمية، ثم أشهر من العمل على تأسيس الشركات المعنية، وبناء الأصول والخطط والتصورات المشتركة الأردنية-السعودية، مع الملاحظات الفنية المترتبة على ذلك؛ ونحن على أبواب صيف 2016، وفيه رمضان والأعياد والحجّ مع العمل البيروقراطي.
الخلاصة، هي أنّنا نحتاج الانتظار إلى منتصف العام المقبل حتى نرى ماكينة الشركات المرتبطة بالصندوق وقد بدأت بالعمل وضخ الأموال في المشروعات وتشغيل العمالة المطلوبة، وربما إلى العام 2018 حتى نلمس نتائج على الأرض للصندوق والشركات والمشروعات المختلفة.
أمّا على صعيد نوعية الدعم الخليجي؛ فمن الواضح من التفاهمات السعودية-الأردنية الأخيرة، والمولود الجديد؛ "الصندوق الاستثماري"، وقبل ذلك في الأعوام الماضية المنحة الخليجية المقدّمة للأردن، أنّ هناك تغيّراً جذرياً في نمط المساعدة من الأشقاء وطريقة تقديمها.
المساعدات أصبحت تعتمد على الاستثمارات الخليجية، والنفقات الرأسمالية، وما سينتج عن الصندوق الاستثماري من شركات ومشروعات، وليس -كما كانت الحال سابقاً- على دعم سخي كبير يصب مباشرةً في إطفاء نار المديونية والعجز.
الأردن ليس موعوداً بمساعدات مالية مباشرة، على الأقل فيما هو معلن ومتداول بين النخب السياسية. وعليه أن يتكيف مع النمط الجديد، أي الاستثمارات، ويهيئ المناخ المناسب للإفادة الحقيقية من المشروعات المتوقعة؛ ما يتطلب إعادة بناء التفكير والأولويات التعليمية، وهيكلة سوق العمل وتدريب العمالة الأردنية التي يمكن أن تستفيد جيداً من هذه المشروعات.
من يعيد قراءة بنود مشروع القانون، بما يتضمنه من امتيازات كبيرة للاستثمارات على صعيد الضرائب والإعفاءات، يدرك تماماً أنّ الفوائد التي من الممكن أن تترتب مباشرةً على هذه الاستثمارات للضرائب ليست كبيرة، وأنّ الفائدة الأولى من "الصندوق" تتمثل في تحريك السوق وضخ المال وتحريك الشركات، والأهم من هذا وذاك تطوير البنية التحتية والتشغيل وتخفيف معدل البطالة المرعب.
علينا، إذن، أن نخرج من الأوهام، في ضوء المؤشرات البادية في الأعوام الأخيرة، وأن لا ننتظر ضخّاً مالياً مباشراً سخيّاً في الموازنة من الأشقاء؛ ما يعني الاستفادة القصوى من الاستراتيجيات الجديدة، وهي أفضل للاقتصاد الأردني لكن في حال كانت هناك حكومة ومسؤولون وعقول مفكّرة تبدأ عملاً عميقاً فورياً لتأهيل مخرجات التعليم وسوق العمل والعمالة الوطنية وترتيب الأولويات، ما قد يساعد على تشغيل الآلاف، الأمر الذي سينعكس -بالضرورة- في نهاية اليوم على الاقتصاد الوطني.
بالرغم من أنّ استراتيجية الاستثمارات الحالية تختلف عن المنحة الخليجية، إلاّ أنّ تقويم تلك المنحة موضوعياً من قبل خبراء محايدين، سيساعدنا على إدراك الفجوات والأخطاء ونقاط الضعف في الاستجابة الرسمية، سواء على صعيد الاستثمارات الخليجية المتوقعة، أو مخرجات مؤتمر لندن للمانحين التي لم نعد نسمع ماذا تفعل الحكومة للاستفادة منها.
في الأثناء، هناك معضلة كبيرة تواجه الحكومة الحالية أو المقبلة، وهي التعامل مع المديونية والعجز والمشكلات المزمنة في الموازنة، بخاصة أنّ مطالب صندوق النقد الدولي لا تتناسب مع معدل النمو الاقتصادي، ما يشكل نقطة خلاف جوهرية بين الحكومة والصندوق الدولي.
(الغد 2016-05-17)