أعطوا الطريق حقه
تلحّ علينا قصص الطرق، فلا نستطيع مغادرتها. ونشعر أنه لم يعد لدينا ما نقوله، وأننا في ذلك كما يقول زهير بن أبي سُلمى: "ما أرانا نقول إلا رجيعا// ومعادا من قولنا مكرورا".
لكن الطريق متصلة بحياتنا ووجودنا. والواقع أن المدن والبلدات والقرى والتاريخ والحضارة، ليست سوى الطريق؛ ليست سوى الذهاب في الصباح إلى العمل والمدارس، والعودة في المساء إلى البيوت. تلك هي قصة العمل والأسواق والتجارة والإقامة وتخطيط المدن، والعلاقات الاجتماعية والمهنية.
تزيد في الصيف أزمة الطرق، لأن صدورنا تضيق. والزوار والمغتربون سيزيدون الأزمة حدة.
الطريق التي أمر فيها كل يوم في اتجاه واحد، ولا يمكن المرور بسبب توقف السيارات على الجانبين إلا لسيارة واحدة. برغم ذلك، كان أحد الشباب مصرا أن يسير بالاتجاه المعاكس. وشاء الحظ السيئ أن تمر شاحنة صهريج ماء أغلقت الطريق تماما، فتكدست السيارات حتى سُد الشارع المؤدي من الإشارة الضوئية. وبدأ الشارع الرئيس يختنق بالسيارات، والغضب يتصاعد إلى السماء في الحر الشديد، مصحوبا بأصوات منبهات السيارات. والمشكلة أن القصة تحدث كل يوم!
وفي الشارع الواسع المؤدي إلى الجامعة، تتوقف حركة السير تماما، ويمتد الاختناق إلى كل الشوارع والجسور المتصلة ببعضها. ويظل على الناس أن يعانوا من الزحام والحرارة ومضيعة الوقت، حتى يتمكن الشاب المتوقف بسيارته من شراء الشاورما.
وتتكدس أمام المدارس الخاصة السيارات، ويتعذر المرور، ثم تُغلق الطرق في كل الاتجاهات، لأن سادة وسيدات محترمين يحبون أولادهم، يصرون على تنزيل أولادهم وهم متوقفون في وسط الشارع، أو على نحو يعطل حركة المرور، وتكون الحقائب موضوعة في الحقيبة الخلفية للسيارة، ويحتاج الأمر لعملية تشبه ما يقوم به الدفاع المدني لجمع الحقائب ووضعها على الظهر ووداع الأطفال.
ويعتقد السادة الأتقياء أنه يحق لهم إغلاق الشارع تماما لأجل أداء الصلاة! ماذا لو كانت سيارة إسعاف تمر في وقت الصلاة؟ ولماذا على غير المتقين أو المتقين ولكنهم في هذه اللحظة يمرون بالشارع المجاور للمسجد، ربما للصلاة في مسجد آخر، أن يظلوا منتظرين في الشارع حتى يفرغ المواطن الورع من صلاته وتسبيحه؟ لكن برغم انتهاء الصلاة، تبقى سيارة مصلٍ في منتصف الشارع بعد الصلاة، في حين غادرت السيارات عن يمينها وشمالها! ثم يتبين أنه يخوض في جولة مفاوضة مع بائعي البسطات أمام المسجد!
وتقرأ في الصحف عن الحملة التي يشنها العالم ضد البصق في الشارع والغرامة التي تفرض على من يقترف ذلك. وتتذكر حملة مشابهة لسنغافورة قبل ثلاثين سنة، وأنت ترى كل يوم في شوارع وأرصفة المدينة البصاق يتطاير من نوافذ السيارات الفخمة الفارهة، ومن أفواه المشاة والجالسين. وتتذكر اللغز الذي علموك إياه في الريف القصي المنبوذ والمهمش عن الشيء الذي يحمله الأغنياء ويرميه الفقراء... البصاق.
(الغد 2016-05-18)