نتنياهو وليبرمان يغازلان العرب بطلب تنازلات!!
كان نتنياهو يوم الاثنين الماضي يتحدث باللغة العبرية، وفجأة حوّل إلى اللغة الإنجليزية، ولو كان يجيد اللغة العربية لربما تحدث بها، لكن الإنجليزية لها “حسنة” أيضا؛ لأن الحديث بها يشمل العرب والأجانب. العرب في سياق من الرد على الغزل المصري، والأجانب في سياق من القول إن تعيين ليبرمان وزيرا للحرب في حكومته، لا يعني أنه انقلب على منطق السياسة، بدليل أنه رحب بالتسريبات التي تتحدث عن مبادرة بعض العرب إلى تعديل مبادرتهم العتيدة. في الخطاب “الإنجليزي” قال نتنياهو إن “مبادرة السلام العربية تشمل عناصر إيجابية يمكن أن تساعد في إحياء المفاوضات البناءة مع الفلسطينيين”. وأضاف: “نحن مستعدون للتفاوض مع الدول العربية على تعديلات لتلك المبادرة حتى تعكس التغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة منذ 2002، مع الاحتفاظ بالهدف المتفق عليه بإقامة دولتين لشعبين”. ذات الحكاية كررها ليبرمان أيضا، مضيفا إليها الترحيب بخطاب السيسي في أسيوط، ومرة أخرى لكي يقول إنه ليس بالصورة التي تقدمه بها وسائل الإعلام، وإنه يقبل هو الآخر بدولة فلسطينية.. ونتنياهو أيضا. حدث ذلك إثر بعض الردود الخجولة من قبل القاهرة على استخفاف نتنياهو بخطاب السيسي، تمثلت أولا في التصريحات “النارية” لأمين عام الجامعة العربية الذي يتبع سياسة النظام المصري أكثر من الإجماع العربي في سائر الملفات، والتي وصف فيها الكيان الصهيوني بالفاشي، إلى جانب ترحيب وزراء خارجية الدول العربية بالمبادرة الفرنسية. رسائل نتنياهو وليبرمان هي نوع من رد الاعتبار للسيسي، وبالطبع لكي يواصل جهوده من أجل “السلام الدافئ” التي أعلن عنها في خطاب أسيوط، والتي يُرجح استئنافها كأن شيئا لم يكن. كلام نتنياهو أكد بشكل واضح أن التسريبات التي تحدثت عن استعداد بعض العرب لإعادة النظر في المبادرة العربية، وإجراء بعض التعديلات عليها كانت صحيحة، وها هو يرحب، وينتظر تلك التعديلات التي لا نعرف ماهيتها إلى الآن، لكنها ستضيف مزيدا من البؤس لمبادرة تنازلت عمليا عن حق العودة، وأضيف إليها لاحقا حديثا عن قبول تبادل الأراضي الذي يعني بقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في عمق الضفة الغربية، مع التذكير بأن عروض محمود عباس لأولمرت بعد المبادرة بأربعة أعوام كانت أكثر سخاءً بكثير، لكنها لم تُشبع شهية الاحتلال. تصريحات نتنياهو وليبرمان ستفتح المجال أمام عملية سياسية لا تفضي لشيء، اللهم سوى تخدير الوضع الفلسطيني من جهة، وتبرير مواقف سلطة وقيادة بائسة من جهة، إضافة إلى تبرير عمليات تطبيع تستعيد أجواء أوسلو ومدريد ، ثم رحلة انتظار لتعديلات جديدة على المبادرة والمواقف، لأن نتنياهو لن يقبل بالتعديلات، وسيكرر معها طريقة الصهاينة مع كل التنازلات السابقة، أي الرفض وانتظار المزيد. رغم كل البؤس السياسي في الوضع العربي، إلا أن أحدا لا يجرؤ على تقديم ما يريده نتنياهو، والكل يدرك ذلك، بخاصة على صعيد القدس التي يرفض أي تنازل في ملفها (أعاد موقفه منها بعد خطابه المشار إليه)، لكن المطلوب هو عملية سياسية وتطبيع لا أكثر (لا يختلف الأمر فيما يتعلق بالمبادرة الفرنسية)، بينما لا يتحرك على الأرض إلا الحل الانتقالي بعيد المدى (بنية تحويله إلى دائم بالطبع)، بتأكيد سلطة تابعة للاحتلال على ما يتركه الجدار من الضفة الغربية إلى جانب قطاع غزة الذي سيتعاون الجميع من أجل إعادته إلى حضن سلطة التعاون الأمني، إن كان بقيادتها الحالية، أو الأخرى المأمولة، وعلى رأسها دحلان. إنه التيه ولا شيء غيره، وهو تيه يرتبط عضويا بالوضع السيء في المنطقة، والحريق الذي أشعلته إيران، فضلا عن ارتباطه بتيه فلسطيني صنعه عباس منذ 2004، وهو تيه مؤقت على كل حال، مهما طال ليله، فخيار المقاومة هو خيار الشعب؛ كان وسيبقى، وسيعود إليه كما عاد من قبل، مع أنه لم يغادره وإن نجح التعاون الأمني في لجمه اندفاعته مؤقتا.
(الدستور 2016-06-04)