الإسلام في قفازات الملاكمة!
انشغل العالم، المحب والمبغض، الحيادي والمتحيز، المسلم وغير المسلم بوفاة اسطورة الملاكمة العالمي البطل «الأعظم» كما كان يُلقب، محمد علي كلاي الذي لم يكن شخصية رياضية فحسب بل كان له وزنه الثقيل في مواقف انسانية عديدة وسياسية مهمة وأشهرها رفضه المشاركة في حرب فيتنام الذي كلفه سحب لقبه الرياضي منه
وفاة هذا العَلَم يجب ان تكون وقفة لمراجعة المبادئ بالذات من اصحاب التأثير والكلمة في دائرة الضوء وصناعة القرار والذين يكثر عليهم الضغط ايضا و محاولات الاستقطاب و التغيير نحو اليمين او اليسار او الحياد الأخرس لعظم تأثيرهم على العامة و تحريكهم للمجتمعات، انها يجب ان تكون وقفة مراجعة لكل انسان ليرى وزنه في ميدان المبادىء و الأعمال و الانجازات أهو من وزن الريشة ام الذبابة ام من الوزن الثقيل؟ و بينما لا تعد هذه الاوزان مثلبة أخلاقية اذا نقصت في حلبة الملاكمة و لكنها كذلك اذا قلت في حلبة الحياة و البصمات بين الناس فالحياة و الحضارات لا تعترف الا بأصحاب الاوزان الثقيلة من الأعمال الفردية او الجماعية الذين يتركون بصمتهم المؤثرة، بالضربة القاضية او الرحمة عن قوة و اقتدار، و هذا ما فعله كلاي في احدى مبارياته عندما امتنع عن الضربة الاخيرة لمنافسه جورج فورمان في مبارتهما في زائير بعد سقوط الأخير و استسلامه و هزيمته فقد كان كلاي قد تغلب رياضيا على منافسه و لكنه لم يرد ان يكسره انسانيا بعد سقوطه،و هذا كان فعل رسول الله صل الله عليه و سلم في فتح مكة عندما أطلق و عفا عن قدرة بعد معاناة طويلة من ظلم قريش فكانت صفحة من أعظم الصفحات في سماحة الاسلام
عندما أثنى الحديث على ان المسلم القوي أحب الى الله من المسلم الضعيف لم يعنِ قوة الجسد فحسب و لكن قوة المبادئ التي تظهر في الأفعال فكم ضعيف في البدن قوي في الهمة و العطاء يعدل في الميزان أثقل من جبل أحد، وقد تصر بعوضة على تحصيل حقها فتدمي مقلة أسد عظيم!
ولكن هل المبادئ اسلامية فقط؟ بالتأكيد لا و لكن من التزم بالاسلام حقا و بمبدأ الاحسان فيه سيظهر ذلك حتى في خشونته و قوته و حتى من بين قفازات الملاكمة فحتى الدابة العجماء ترفع قدمها و ثقلها مخافة ان تؤذي ابنها فكيف لو كان الأمر في نفس انسان اشرقت بدين كتب الإحسان على كل شيء؟ إن الانسانية الرقيقة الراقية تتجلى و تتجذر اذا لاقت مبدأ يجعلها فرضا و دينا و عملا مقبولا و مزيدا في الأجر
الالتزام بالمبادىء في الدنيا يجعل كفة حسناتك من الوزن الثقيل و كفة سيئاتك من وزن الريشة فترد على الله ثقيلا بكل ما يزينك خفيفا من كل يشينك
لا نملك ان نكون كلنا كلاي ولكن الله استخلفنا ليكون لكل ميدانه و حلبته،صغيرة كانت او كبيرة، في ميدانه يستطيع الكل ان يكون عظيما من الوزن الثقيل بإيمان في القلب يحركه نحو اكتساب الأعلى من المهارات ليطبقها في الافضل من الميادين مزينا بخلق يشف عن معدن أصيل زاد صلابة و سماحة بدين عظيم
في الايام الأخيرة من مرضه سألته الصحافة: كيف تحب ان يتذكرك الناس؟ فأجاب كلاي: كرجل لم يبع شعبه و اذا كان ذلك كثيرا فكملاكم جيد فحسب!
وكأن رسالته تقول إن مبادئك ومهارتك (عملك) هي ما سيبقى منك ويضمن لك سمعة ورفعة أبدية، غاب الشخص في ذمة الله، وبقي وزن مبادئه رسالة ثقيلة ومهمة جليلة لكل من يرى نفسه خليقا بتمثيل الاسلام.
(السبيل 2016-06-05)