عن المقارنة بين المشروع الإيراني والصهيوني
في مراحل الحروب ذات الصبغة الطائفية والمذهبية، يتراجع دور العقل وتحضر الغرائز، ويبدأ التراشق بمختلف أدوات الشتائم والتكفير. يحدث ذلك منذ سنوات، لكن الأسابيع الأخيرة منذ بدء معركة الفلوجة لم تلبث أن ضاعفت مستوى الاستنفار في مواقع التواصل، وحيث بدا واضحا أن جهة ما في العراق قد موّلت عددا هائلا من الحسابات التي لم تكن مهمتها غير توجيه الشتائم لكل من ينتقد المعركة، ويصفها بالطائفية. في المعركة المذكورة، وكما في ساحاتها الفعلية على الأرض، يجري استدعاء كل ثارات التاريخ من قبل الطرف الشيعي، بينما يرد الطرف السني بوصف الآخرين بالمجوس والفرس والروافض و”أبناء المتعة”، إلى غير ذلك من المصطلحات. كل ذلك يبدو طبيعيا، لكن أسوأ ما يمكن أن تسمعه هو الخطاب الذي يقارن بين المشروع الصهيوني، وما يسميه المشروع الصفوي، أو الفارسي، ويعتبر الثاني أكثر خطرا، وأسوأ بكثير من الأول، وهو خطاب نسمعه أيضا منذ سنوات، لكنه يتصاعد بالتدريج. الحق أن ما فعلته إيران بالسوريين، وما تفعله في العراق واليمن لم يترك مجالا كبيرا للعق. وحين يسيل الدم إلى الركب كما يقال، يستقيل العقل، ويأخذ الصراع أشكالا فظيعة. المصيبة أن المقارنة المشار تقدم خدمة مجانية للعدو الصهيوني، وربما أيضا من يريدون مد جسور التفاهم معه، بعد شعورهم بأن الأمة يمكن أن تتقبل ذلك بدعوى مواجهة إيران. أما الأهم، فهي أنها لا ترى الفارق بين مواجهة مشروع تمدد يستخدم أدوات محلية، وبين مشروع احتلال شرد شعبا، وجاء بآخرين من أصقاع الأرض ووضعهم مكانه، فضلا عن أحلامه في الهيمنة، وإن لم تكن هيمنة جغرافية، مع أن ذلك كان حلما أيضا وتكسّر. في الحالة الصهيونية نحن إزاء احتلال يجب أن يزول، ولكننا في الحالة الثانية إزاء نوع من الحروب الأهلية والطائفية، وإن تكن مدعومة من الخارج، ومثل هذه الحروب تنتهي بتسويات وتعايش مهما كانت حصيلة الدماء فيها، إذ لا يمكن لطرف أن يبيد الآخر. صحيح أن إيران دمّرت التعايش، ولكن النتيجة النهائية تتمثل في إدراكها لحقيقة أن ما تفعله لن يفضي إلى نتيجة، وعليها أن تترك قصة دولة المذهب، وتقبل بحدودها الطبيعية، فيما يتعايش الناس داخل كل دولة وفق أسس العدل، وهو ما بشّر به الربيع العربي. وما يجب أن يتذكره أولئك الذين يرفعون السقف ويتحدثون عن الذبح والسلخ، هو أن جزءا من أدوات المشروع الإيراني هم سنّة أيضا، إن كان في العراق أم سوريا، وربما اليمن بدرجة أقل، ولا يمكن أن تنتهي الحرب بالإبادة. ليس هذا دفاعا عن إيران، فموقفنا معروف، ونحن متهمون من أدواتها بالطائفية أيضا، وإن لم يعد ذلك يعنينا، لأنها تهمة تشبه اتهام كل من يرفض ممارسات الكيان الصهيوني في الغرب باللاسامية، لكنه تأكيد لحقيقة الفارق بين صراعين في المنطقة يتشابهان في بعض الفصول والممارسات، لكن الفرق يبقى كبيرا، ومن العبث تقديم خدمة مجانية للعدو الصهيوني بمقارنات لا جدوى منها، فالمجرم مجرم، ولا يستدعي التدليل على إجرامه بممارسات مجرم آخر، وفي العموم يقتل الغزاة والمحتلون وحتى الطغاة، بالمقدار الذي يحقق لهم المطلوب، وليس قتلا لمجرد القتل في غالب الأحيان.
(الدستور 2016-06-07)