استثارة الثنائيات وتوظيفها
في سياقات الفوضى الخلاقة في العالم العربي، يتم توظيف روافع كثيرة، من الشعارات الوطنية والدينية والعرقية والمذهبية والطائفية والسياسية، لغايات ضرب الدول والشعوب والكيانات، ولايجري ذلك الا عبر الثغرات، للنفاذ الى مايراه المخططون بنى هشة. في اغلب الدول العربية، ثنائيات متعددة، وهي ثنائيات طبيعية، اذ في كل بلد هناك المسلم والمسيحي، وفي دول هناك السني والشيعي، وفي دول ثالثة نجد عربا وامازيغ، وفي دول رابعة نجد اصولا ومنابت، ودول خامسة عربا واعراقا اخرى، ولو تأملنا الفسيفساء الداخلية في كل دول العالم، لوجدنا فيها تنوعا كبيرا تحت عناوين مختلفة، فالتنوع طبيعي، وهكذا هي الحياة في كل مكان. العالم العربي، وبسبب المظالم الكثيرة، وقلة الوعي، وسيطرة الغوغاء على الشارع، يتم استدراجه الى حروب الثنائيات، استثارتها عبر اي طريقة، عبر اي فعل قبيح، ثم التخطيط لرد الفعل، ثم ينزلق كل بلد، نحو جهنم الحمراء، جراء الاقتتال المؤسس على الشكوك، والكراهية التي يتم توليدها، وتوظيفها من جانب نفر قليل على الاغلب بيده مفاتيح التوليد والتوظيف، والقدرة على رمي مزيد من الحطب في المواقد. لو تأملنا دولا مثل سورية ولبنان والعراق وليبيا واليمن، وغير ذلك، وهي دول سقطت كليا في اختبارات بنيتها الوطنية، وانشطرت وتشظت، فدفع الجميع ثمن التشظي والقسمة على اثنين او اكثر، تحت عناوين سياسية ودينية ومذهبية وطائفية وعرقية، فيغيب صوت العقل، لان الحسابات تتداخل، والكل يريد ان يثأر من الكل، ويصفي الحسابات مع الاخر، ولاتصحو هكذا شعوب الا بعد ان تخسر كل شيء. بما ان الوصفة السائدة هي البحث عن نقاط الهشاشة والضعف بتقييمات من يخططون، فأن الاصل ان تتنبه البنى الوطنية لهكذا مخططات، فلا تسمح، بأطلاق الثنائيات من سياق كونها طبيعية في كل الدنيا، نحو الغابة وصراعاتها، ولاتسمح ايضا، بتوظيف اي سوء فهم كامن او مستحدث لغايات ضرب البنية الوطنية، لان الثمن نهاية المطاف سيتم توزيعه على الجميع ولن يسلم احد، من الفاتورة الدموية. يقال هذا الكلام ونحن نرى دولا عربية سلمها الله حتى الان، من الفتن، والخراب، والتشظي والانقسام، وصراعات الهويات المختلفة، وهذا أمر يفرض على الواعين ان يقدروا كل كلمة تقال، وكل رمية ترمى، والى اين هو مآلها، فوق تقدير ما وراء اي فعل قبيح قد يرونه ويغضبهم، وهم لايعرفون انه قد يكون جزءا من مخطط اكبر، لاشعال النار الكبرى في اي بلد عربي، ففي مرات تكون الشرارة، لها غاية وظيفية، تتجاوز كونها مجرد شرارة، الى كونها عنصر اشعال لحريق اكبر. كارثة الدول العربية التي سقطت في امتحان البنى الوطنية، وغرقت في الدموية، ان شعبا كاملا، لم يكن بحاجة الى اكثر من شخص واحد، ليتسبب بهذا الخراب، وليستدرج خلفه الجميع، وهذا يفرض فتح العيون في العالم العربي، على كل مايحدث، فلايسمح العقلاء، باستدراج بلادهم المستقرة نحو الهاوية، لاي سبب كان، ولايقبلون في ذات الوقت، السكوت على كل من يفكر بايذاء البلد، بكلمة تحريض او جريمة قتل، ففي احيان كثيرة، تكون الفتنة اشد من القتل، ولنسأل دوما، عن الدافع الاعمق، وراء كل فعل قبيح، والاستبصار هنا، قد يأخذنا الى ماهو أخطر بكثير من ظاهر التقييم والتحليل.
(الدستور 2016-06-08)