«استدارة» تُركِيَّة أم مُجرد «مناورة» ؟
اذا ما صحَّ الخبر المثير الذي اوردته صحيفة الحياة اللندنية يوم امس , بأن السلطات التركية قد بدأت باتخاذ «اجراءات ضمن خطوات ترمي الى نقل زعيم حزب العمال الكردستاني التركي عبدالله أوجلان المحكوم بالمؤبد، من السجن الانفرادي الذي يقبع فيه منذ اعتقاله في شباط من العام 1999، الى الاقامة الجبرية في جزيرة مرمرة.. لإجراء حوار (رسمي) معه»، فان المشهد التركي الداخلي خصوصاً بامتداداته الاقليمية، مُرشّح لتطور دراماتيكي، وبخاصة بعد ان اخذت المواجهة المسلحة بين الجيش التركي وحزب العمال، مدى اوسع واكثر خطورة مما كانت عليه طوال العقود الثلاثة، حيث انتقلت الاشتباكات العنيفة الى داخل المدن الكردية في جنوب شرق البلاد, وادى انهيار ما وُصِف ذات يوم بـ»الخطوة التاريخية» التي اتخذها اوجلان في شباط من العام الماضي (2015) ودعوته الى «حل ديمقراطي» طالبا من مؤيديه الانتقال الى جبال قنديل وايقاف العمليات، إلى ذهاب حكومة اردوغان/اوغلو بعيدا في تصعيد عملياتها على نحو حل فيه دمار كبير بمدن وبلدات كردية, بدت للمراقبين ومنظمات حقوق الانسان حتى تلك التابعة منها للامم المتحدة, بانها اقرب الى جرائم الحرب وبخاصة في مدينة نصيبين التي نالت «نصيبها» الوافر من الدمار, شبّهها احد التقارير الصحفية بانها تبدو كمدينة «سوريّة» الآن.
ما علينا..
قد يكون خبر الصحيفة اللندنية صحيحاً وقد يكون مجرد بالون اختبار، اراد من سرّبه اختبار ردود الفعل, حتى يبني على الشيء مقتضاه، بعد ان وصلت المواجهة المسلحة بين الطرفين ذروتها, بنجاح الجناح العسكري للحزب في توجيه ضربات موجعة في اماكن ومدن عديدة منها انقرة واسطنبول, طالت في جملة ما طالته من اهداف ليس فقط سقوط ضحايا ابرياء من المدنيين وانما ايضا في محاولة واضحة من قيادة الحزب الموجودة في جبال قنديل (شمال العراق) ضرب موسم السياحة التركي الذي يعيش هو الاخر وضعاً لا يُحسد عليه, وبخاصة منذ اندلاع الازمة الخطيرة مع روسيا بعد اسقاط تركيا القاذفة الروسية في تشرين الثاني الماضي وقرار الرئيس بوتين منع السياح الروس من الذهاب الى تركيا حيث كان يصل عددهم الى اربعة ملايين سائح.
ولان خطوة «نوعية» كهذه يتخذها اردوغان تجاه الذين لم يتوقف حتى يوم أمس عن وصفهم بالارهابيين, بل يقوم بربط قوات حماية الشعب الكردية السورية «PYD» بهم ويرى فيها امتداداً لحزب العمال وذراعاً سورية له, لدرجة وصف الدعم الذي تلقاه قوات سوريا الديمقراطية من قبل واشنطن بانه «مشروع خطير يتم تنفيذه (جنوبنا).. ومع الاسف يقف وراء تنفيذ اطراف تُظهِر انها صديقة لنا».. فضلاً عن قوله عن حزب العمال في حفل افطار قبل يومين «.. تلك المنظمة التي تستهدف منازل ومحال المواطنين، فضلاً عن المساجد والكنائس، فإن هذه المنظمة لا تنتمي لهذه الارض»، فإن التسرع في التكهن او الذهاب بعيداً في الاستنتاجات, لن يكون حصيفاً وبخاصة في ظل العمل الدؤوب والمثابر والعنيد الذي مارسه اردوغان عندما «انتزع» من البرلمان في الشهر الماضي تعديلاً دستورياً، نصّ على رفع الحصانة عن النواب الذين توجد في حقهم «ملفات تحقيق» ثم صادق عليه (اردوغان) رسمياً قبل ثلاثة ايام، لينتقل الصراع الى المحاكم (بعد ان بات دستورياً) ولم يكن يخفى على احد ان المقصود بذلك هم المعارضة بشقيها الكردي (حزب الشعوب الديمقراطي) والعلماني (حزب الشعب الجمهوري) وإن كان التصويب موجَّهاً في الاساس على الحزب الكردي, حيث يطمع اردوغان الى «وراثة» مقاعد هذا الحزب في اي انتخابات مُقِبلة, كي يتسنى له تحقيق حلمه الاثير بتحويل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي يمنحه سلطات اوسع بكثير مما هي عليه الان «دستورياً», حيث ما تزال صلاحياته رمزية وبروتوكولية، رغم انه يدير ظهره «عملياً» لاوضاع «رمزية»... كهذه.
هذا التطور الخطير الذي تمثل في رفع الحصانة عن نواب مُنتخَبين بكل ما يشكله من طعنة نجلاء لمفهوم الديمقراطية واطاحة لقواعدها, دفع رئيس حزب الشعوب الديمقراطي , صلاح الدين ديميرطاش الى القول: انه ونواب حزبه, لن يمثلوا امام المحاكم لاستجوابهم، مُهدِداً بالتصعيد السياسي ومُعرِباً في الان نفسه عن قلقه من ان يؤدي «اعتقالهم» الى تطور خطير قد يُفضي الى «حرب اهلية».
ثمة ما يمكن وصفه بالتناقض والارتباك اللذان يسمان الخطوات والاجراءات التركية, سواء صحّت رواية «الحياة» أم واصل اردوغان ورئيس حكومته الجديد بن علي يلدريم, نهج استبعاد «الحوار» مع حزب العمال، ما بالك ازاء التطورات المُتسارعة على جبهة منبج وتلك المتعلقة بالرقة, وخصوصا في الاحتمالات الماثلة بقوة لبدء معركة حلب... الكبرى؟
.. الانتظار لن يطول لِمعرِفة ما إذا كانت استدارة فعلية, أم ان نهج المراوغة الذي دأبت عليه «انقرة» سيبقى على حاله؟.
(الرأي 2016-06-13)