تفعيل الموارد بتخفيض الهدر
ثمة مجال بلا حدود للتفكير والجدل فيما يمكن الاستغناء عنه أو تقليل نفقاته أو تفعيل فوائده. وفي ذلك فإن الموارد القليلة يمكن إدارتها وتنظيمها على نحو أكثر كفاءة ومردودا. وقد تكون ثمة حاجة لنقاش عام مفتوح وشامل في الجدوى والمعنى في الأعمال والمؤسسات والخدمات والسلع. وبمقدور المجتمعات والأفراد اليوم -في تنظيمهم أنفسهم في اتجاه تفعيل الموارد وإدارتها وتنظيمها- أن ينشئوا حالة من المراقبة الواسعة للمؤسسات والأسواق في أدائها وإنجازها، على النحو الذي يرتقي بالخدمات والسلع ومستواها وكلفتها. وتساعد الإنترنت وشبكات التواصل في تحويل هذه الأفكار إلى عمليات منظمة وواسعة وممتدة وشاملة، لتجعل الهدر والفشل والخطأ لا يتكرر إن حدث.
يمكن أن يبحث المواطنون ويتابعوا في الإنترنت أهداف الوزارات والمؤسسات العامة، ورؤيتها ورسالتها، وأخبارها وقراراتها... ثم يجروا مراجعات ومتابعات دائمة لما تحققه وتفعله بالنسبة لأهدافها، وجدوى ذلك بالنسبة لما ينفق عليها. وفي مستوى أكثر تفصيلا، يمكن مراجعة القرارات والسياسات، والإنفاق والميزانيات، والعطاءات والتوريدات والأعمال والوظائف، ومدى أهميتها وضرورتها. ثم، في مستوى أكثر تقدما وتدريبا، يمتلكون الخبرة الكافية لملاحظة الفشل والفساد والتحيز، كما النجاح والفاعلية والكفاءة.
ويمكن أن نفعل الشيء نفسه بالنسبة للسلع والخدمات والأسواق، وننظر فيما يمكن أو يجب الاستغناء عنه، وما لا نحتاجه أو ما يضر أكثر مما ينفع، إذ نشتري الضرر في أحيان كثيرة، ثم نسأل أنفسنا ماذا ينقصنا وماذا نحتاج إليه مما ليس موجودا في القطاع العام وفي الأسواق.
ليس عملا صعبا، ويمكن أن ينشئ كل مواطن قاعدة معرفية جيدة لنفسه ولغيره، ثم ننشئ جدلا إيجابيا في الجدوى وعدم الجدوى!
لزيارة الطبيب، تحتاج ساعة لتجد موقفا وتصل المبنى؛ ونصف ساعة أخرى ليصلك المصعد، وربع ساعة إضافية حتى تفهم السكرتيرة أنك مريض وتريد مقابلة الطبيب، وحتى تستطيع أن تسجل اسمك ومعلومات لا أعرف لماذا تطلبها، وإذ تطلبها لماذا لا تقدر أن تستوعبها وتسجلها. وتحتاج ثلاث دقائق لتقابل الطبيب ويقدم مشورته والعلاج المقترح.
إن التقدير الأولي لما يهدر في "سيفونات" الحمامات يبلغ مائة مليون متر مكعب من المياه سنويا. وهي كميات يمكن توفيرها بالكامل بتقنيات وإدارة بديلة لشبكات المياه وتوزيعها. وما يهدره المواطنون كل يوم في الذهاب إلى العمل والمدارس والعودة إلى البيوت، من وقت وطاقة وجهد وموارد، يمكن تخفيضه بنسبة قد تصل إلى مائة في المائة، إذا ما روجعت أنظمة تخطيط المدن والإقامة والأحياء والشوارع والأرصفة. ويبذل المواطنون في الرعاية الصحية والاجتماعية أوقاتا وأموالا طائلة، بسبب ضعف كفاءة المؤسسات العامة والخاصة. وتخسر المؤسسات والأسواق خسائر هائلة بسبب ضعف الصحة الناشئ عن اتجاهات خاطئة في أسلوب الحياة والطعام، أو بسبب نقص الوعي بالمهارات الحياتية والصحية، أو بسبب غياب أو ضعف إدارة المرافق العامة.
يمكن أن نكتشف بلا توقف الهدر في حياتنا اليومية والعملية، وفي كل ما يحيط بنا. وهو ما يجب أن يحدث على نحو متواصل، ليتحول إلى جزء من منظومة الحياة والعمل. وفي ذلك لن ينخفض الهدر فقط ونحصل على نتائج أفضل في العمل والموارد والحياة، بل يمكن أيضا إبداع منظومات وتقنيات تزيد الموارد بتواصل تخفيض الهدر والنفقات. وهكذا أمكن تطوير التكنولوجيا والخدمات والأنظمة التي بدأت مكلفة، ثم أمكن تخفيض كلفتها. ويتواصل هذا التخفيض لنجد اليوم مقارنات طريفة بين البداية والواقع القائم، وهو ما لم يكن ممكنا حدوثه لولا منظومات وتقنيات المراجعة التي تهدف دائما إلى اكتشاف الهدر، وما يمكن توفيره أو الاستغناء عنه.
(الغد 2016-06-15)