يوم استبدلنا الخبز بالرز!
كان اهل الحارة ،اي حارة ، يعرفون ما هو افطار كل جار . من اول الزقاق ، وانت مار الى بيتك كنت تشم رائحة طبخة دار ابو محمد وابو باسم وابو خالد...وغالباً ما تجتمع هذه الطبخات على موائد افطار كل بيت . العادة ان تنادي الام على ابنها « خذ يمّا ودي هذا الصحن لخالتك ام حسين» ، وغالباً ما كان الابن حامل الصحن يلتقي على باب بيتهم او بيت جيرانهم مع ابن ام حسين الذي كان يحمل صحن طبيخ كلفته امه ان يوصله لدارخالته ام محمد .يتبادل الابنان الصحنين .واحيانا يتقابل ثلاثة او اربعة ابناء او بنات كل منهم حاملا صحن طبيخ الى الجيران .عند الافطار تكون المائدة عامرة بما لذّ وطاب من طعام ومن..حب. كانت البيوت قريبة من بعضها والقلوب اقرب .رائحة الخبز من فرن الحارة اشهى ما يمكن ان تشمه في ساعة قبل الافطار . حظك حسن ان كنت انت المكلف باحضار الخبز في ذلك اليوم رغم الوقوف طويلا على الدور .فأنت في حضرة الخبز الآن. خبز اسمر من قمح بلدي ،بلا مبيضات ولا كيماويات.مباشرة من الحقل الى الحلق دون المروربمتطلبات صندوق النقد الدولي وشروط الاستيراد والتصدير .في الايام العادية غير رمضان كان يكفي ان يحضر الخبز وكم حبة زيتون وبندورة وبصل اخضر وفجل لتكون الوجبة شهية بلا كوليسترول ودهون وشحوم لا تعلم من اين مصدرها . لم يتغير رمضان ، هو نفسه شهر الصيام والرحمة وطلب المغفرة ،لكننا نحن العرب الذين تغيرنا . استبدلنا الخبز بالرز منذ ان اقلعنا عن زراعة القمح واقتلعنا الخير الذي كان يقينا شر الارتهان للخارج . اصبحنا تابعين للخارج حتى اصبح الخارج داخلنا ونحن لم نعد موجودين على خارطة العالم الا بالاسم..حتى هذا الاسم عبثوا به .فمن الوطن العربي الكبير الى الشرق الاوسط الجديد الى اقليم ضعيف دول اما برئيس معزول او رئيس مطرود او رئيس على ..حارة! قلنا منذ البداية انها «مؤامرة» لا «ثورة».قالوا انتم مع الدكتاتورية ضد الديمقراطية .قلنا ان الثورات على الانظمة الدكتاتورية تنبع وتمارس وتتفجر من الداخل ،تنطلق بداية من الجيش والسياسيين الوطنيين من خلال تخطيط وتفكير سليم .مهم ان تكون وطنياً لكن الاهم ان تعرف كيف واين مصلحة الوطن،أي وطن.الشعب الذي يثور يحتاج الى قيادة لا الى قوادة على الوطن .لا يكفي ان ترى المهم ان تبصر.فكم من غشاوة اوقعت صاحبها في الهاوية. منذ تم احتلال العراق بلا سبب مقنع كان يجب ان ندرك ان الثور الابيض اُكل والبقية تأتي.هاهي أتت ولم تنته بعد.وها هما دولتا الخلافتين العباسية والاموية اللتين كان العربي في ظلهما كصقر محلق في سماء الكون وعلى الارض انسانا وعالما ومقاتلا وموسيقيا ومفكرا ،ها هما تنخر فيهما سوسة الفتنة وتسيل في شوارعهما الدماء بدل الماء ,انسانهما اما قاتل اومقتول وكلاهما خاسر بيته واولاده و نفسه ووطنه . اما ليبيا واليمن وتونس و بقية الوطن العربي ..فحدث وانتظر ! اللاجئون الذين شردتهم الحروب صائمون بالضرورة .فكيف يمتنع عن الاكل من لا اكل اصلا لديه ،وكيف تلتئم على مائدة الافطار عائلة احد افرادها قتيل والاخرشريد والثالث مهجر والرابع ابتلعه البحر والخامس ما زال اعمى رهينة المؤامرة، نعم المؤامرة !!
(الدستور 2016-06-15)