فصل الدعوي عن السياسي ضرورة وطنية

تم نشره الأربعاء 15 حزيران / يونيو 2016 12:44 صباحاً
فصل الدعوي عن السياسي ضرورة وطنية
مروان المعشر

في خطوة تاريخية لم تأخذ نصيبها بعد من التحليل في الوطن العربي، أعلنت حركة النهضة الإسلامية التونسية، في ختام مؤتمرها الشهر الماضي، التخصص في العمل السياسي وترك الأنشطة الدعوية للمنظمات المدنية. وصرح الشيخ راشد الغنوشي، وهو مفكر وعلامة إسلامي كبير، أن "النهضة" ستتحول إلى حزب سياسي مدني ديمقراطي بالكامل.

هذا تحول تاريخي كبير، خاصة أن جماعة الإخوان المسلمين، وجميع الجماعات التي انبثقت عنها بما في ذلك حركة النهضة، بدأت كحركة دعوية خالصة عندما أنشأها حسن البنّا العام 1928. لكن "النهضة" أول من أدرك من الحركات الإسلامية في الوطن العربي أننا في العام 2016، وأن النشاط الدعوي لا يستوي مع العمل السياسي، لأن مرجعيتي النشاطين مختلفتان تماما، ولأن المواطن العادي بات ينظر إلى قدرة الحزب -أي حزب- على تلبية حاجاته اليومية ورفع مستوى معيشته، فيما المشورة الدينية يستطيع الحصول عليها هذا المواطن من أماكن أخرى لا دخل للسياسة بها.

هذا ليس خروجا عن الدين بالطبع، حسب ما يريد بعض المتشددين أن يصوروا لنا قرار "النهضة"، والشيخ راشد الغنوشي من أهم المراجع الدينية في الوطن العربي. وإنما هو اعتراف بالتخصص. ففي حين يمكن لمن يريد العمل في السياسة أن يعتمد المبادئ الدينية كإطار فكري قيمي، تبقى للعمل السياسي قواعد دنيوية لا يمكن حشر الدين فيها. إذ طالما أن ليس هناك دولة دينية في الإسلام، وطالما أن ليس هناك إكراه في الدين، فإن من الطبيعي والمنطقي أن تُترك النشاطات الدعوية لفضاء يختلف تماما عن الفضاء السياسي الذي يخضع لتوافقات بين مكونات المجتمع الأخرى كافة، وهي ضرورية من أجل بناء دولة المواطنة المتساوية الحاضنة للتنوع.

حركة الإخوان المسلمين في الأردن وعت مبكرا ضرورة وجود ذراع سياسية لها، فأنشأت حزب جبهة العمل الإسلامي الذي خاض الانتخابات وفقا للقواعد السياسية المعمول بها في البلاد. لكنها لم تذهب إلى حد فصل الأنشطة الدعوية عن السياسية، فأصبح الخط الفاصل بين الجماعة والحزب مبهما، واستخدمت الدولة هذا الإبهام في محاولة تحجيم الحركة.

تشير بعض التصريحات الأخيرة أن القيادة التاريخية للإخوان في الأردن، أو ما أصبح يدعى "جماعة الحكماء"، تفكر جديا في إنشاء حزب سياسي يقوم بفصل الدعوي عن السياسي، على غرار ما فعلته حركة النهضة. وإذا كان هذا الكلام دقيقا، فإنه سيشكل خطوة تاريخية أيضا؛ ليس لحركة الإخوان المسلمين في الأردن فحسب، ولكن لمجمل عملية تطور الإصلاح السياسي في البلاد، ونشوء أحزاب سياسية حقيقية. وليس سرا أن العديد من أركان الدولة لا يريد تطور مثل هذه الحياة الحزبية، حتى يستمر استحواذه للسلطة التنفيذية، وأن الذريعة المستخدمة دائما هي الحيلولة دون وصول حزب ديني للسلطة سيفرض تفسيره للدين على المجتمع بأسره.

فصل الدعوي عن السياسي سيسحب البساط من تحت هذه الذريعة، وسيساهم في الوصول إلى عقد اجتماعي جديد بين الدولة وفئات المجتمع كافة، يحفظ لكل هذه المكونات حقوقها، فلا تتعدى إحداها على الأخرى، ويؤدي إلى استقرار مجتمعي مستدام ننشده جميعا.

إن عصر الأيديولوجيا المطلقة في طريقه للأفول، سواء كانت هذه الأيديولوجيا مدنية أم دينية، ما لم تصاحبها برامج عملية تلبي حاجات الناس الاقتصادية والاجتماعية. وإذا نظرنا إلى الأحزاب السياسية الدينية التي تشهد ازدهارا وارتفاعا في شعبيتها، فسيظهر أنها الأحزاب التي لديها برامج واضحة، وتلك التي وصلت لعقود اجتماعية مع باقي مكونات المجتمع في تونس والمغرب. أما الأحزاب التي تصر على إبقاء الأنشطة الدعوية مع السياسية، في مصر والأردن مثلا، فتشهد أزمات سياسية.

يأتي وقت يغلّب فيه الحكماء مصلحة الوطن على كل المصالح الأخرى، فهل يفعلها حكماء حركة الإخوان في الأردن؛ بل هل يفعلها حزب جبهة العمل الإسلامي نفسه، وهو الذي أعطى رسالة في منتهى الإيجابية بقراره المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، فيقدم بذلك خدمة تاريخية للوطن أجمع؟

(الغد 2016-06-15)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات