وضع طبيعي؟!
في الأسبوع الأول من الشهر الفضيل، وجد المواطنون أنفسهم أمام مشهد مثير للقلق؛ من الهجوم الإرهابي على مكتب مخابرات البقعة، في اللحظات الأولى من الشهر الكريم، إلى العنف الاجتماعي الذي عاد ليطلّ برأسه في أكثر من محافظة، وصولاً إلى جرائم جنائية أخرى، واعتقال مطلوبين على خلفية قضايا مخدرات، وما تلاه من مواجهات مع الأمن في منطقة عين الباشا.
من الطبيعي أنّ تثير تلك الأخبار هواجس الناس. لكن من الضروري -في الوقت نفسه- أن نعبر من هذه الأحداث الجزئية إلى سياقها الكلي، وإلى دراسة التحولات الاجتماعية ومدى خطورتها واتجاهاتها؛ فيما إذا كنّا أمام وضع طبيعي أم استثنائي مرتبط بشروط وظروف معينة.
المفارقة أنّ الدولة استطاعت خلال العامين السابقين لملمة الحالة الاجتماعية وإعادة ضبط الأمور واستعادة الهيبة، بعد أن كادت الأمور تنفلت تماماً خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمر "الربيع العربي" (2011-2014). إذ تراجعت خلال هذين العامين نسبة سرقة السيارات، وخفّ العنف الاجتماعي والجامعي كثيراً مقارنةً بما سبق، وتم ضبط امتحان الثانوية العامة بعدما وصلت الانتهاكات له، حدودا غير مسبوقة، هددت بانهيار مصداقية العملية التعليمية بأسرها.
وبادرت الدولة إلى حملات أمنية وإظهار "مخالب الدولة" في مواجهة التنمّر والتمرد على القانون. بل تجاوزت عملية "استعادة الهيبة" ما سبق إلى معالجة اختلالات سابقة على ذلك، على صعيد المياه والكهرباء والأراضي، والبؤر الخارجة على القانون. فلمس المواطنون نتائج تلك الجهود المدروسة، والتي اتُّخذت بقرارات من أعلى المستويات، تحت عنوان "تطبيق القانون"، وكانت تشكّل في المرحلة السابقة أولوية غير معلنة إعلامياً بصورة واضحة لدى "مطبخ القرار".
إلاّ أنّ الأعوام الأخيرة أفرزت بروز ثلاثة أخطار اجتماعية على درجة كبيرة من التهديد، مقارنةً بالأعوام السابقة. وهما انتشار المخدرات بين جيل الشباب؛ وازدياد عدد المتأثرين بالأفكار المتطرفة الذين استطاع تنظيم "داعش" اختطافهم وتجنيدهم، وتحويلهم إلى راديكاليين معادين للدولة ويؤمنون باستخدام العنف.
أما الخطر الثالث، والذي لا يتم الحديث عنه بوضوح، فهو انتشار الفساد الإداري على مستويات متعددة، وتغلغل الواسطات والمحسوبيات والرشاوى، ما أدى إلى آفات خطرة، تبدأ بالتعليم وتنتهي بالعلاقة اليومية بين المواطن والدولة.
والحال أنّ الدولة نجحت، عبر تقوية الردع الأمني وإظهار "العين الحمراء" والخطط الواضحة، في استعادة الهيبة ومواجهة الجرائم التقليدية من سرقات وعنف اجتماعي وجامعي. لكن المخدرات والتطرف وتفكك منظومة القيم الاجتماعية، تتطلب علاجات من نوع مختلف آخر، أكثر تعقيداً وصعوبة، وتتجاوز الإجراءات المباشرة الفورية إلى الجوانب الثقافية والدينية والسياسية عموماً. وفوق هذا وذاك، التركيز على جيل الشباب الذي يمثل خطّ المواجهة الأول مع التطرف أو المخدرات والانحراف.
ما هي طبيعة الإجراءات المطلوبة لمواجهة الأخطار الجديدة؟ هذا هو السؤال الذي يتوجب على المسؤولين والمثقفين والسياسيين التفكير فيه مليّاً. وقبل ذلك، من المهم معاينة هذه المتغيرات والأرقام والمعطيات؛ فيما إذا كنّا أمام تحولات طبيعية تحدث في كثير من دول العالم، كما تذهب نخبة سياسية، أم أنّنا أمام ما يستحق القلق، أو على الأقل العمل على تحجيم تأثيراته وتداعياته، لأنّه مسار سيؤدي إلى نتائج أكثر خطورة في المستقبل!
من الضروري أن تعيد تلك الإجراءات (التي نتحدث عنها) الاعتبار لمفهوم الإصلاح بأبعاده المختلفة؛ في السياسة عبر العملية الديمقراطية التي تتوسع لتشمل الجميع، وفي الرسالة الإعلامية للدولة حول مفاهيم المواطنة والقانون وحقيقة الانتماء المطلوب، وفي الجانب الديني بالاهتمام بالتنوير والاعتدال وطرح السؤال المهم: لماذا نخسر المعركة مع المتطرفين؟، وفي الجانب التعليمي والثقافي؟!
باختصار، نحن بحاجة إلى إدراك أنّ الإصلاح اليوم ضرورة وطنية ومجتمعية وسياسية.
(الغد 2016-06-16)