عين حمراء لا يخافها أحد
يتجنب كثيرون الكلام عن اعتصام ذيبان وخيمته، وكأن مجرد الكلام تحريض على الثورة الدموية او الفوضى، لكن كل هذا السكوت، لن يمنع احدا من اثارة القضية، فوسائل التواصل الاجتماعي، مشغولة بالقصة، وهي تشكل الرأي العام في احد جوانبه. ما يمكن ان يقال هنا، اننا الاكثر ابداعا في العالم، على تصنيع القصص والمشاكل، فلماذا نميل الى تخليق مواجهات نحن في غنى عنها مع الناس، وقد كنا في الاساس نتحدث عن بضع الاف الوظائف لمناطق مثل مادبا، والطفيلة، فلم يتنازل احد ان يتجاوب، باعتبار ان التجاوب، فيه تنازل عن الكبرياء الوطني، فشهدنا بعد هذا العناد مشاكل كثيرة، مع اناس كل همهم ان يعيشوا، وان يسلم بلدهم ايضا، فقضيتهم فيها جانب شخصي، وهناك جانب وطني، اساسه الاعتراض على كثير مما يجري في البلد. في تقييمات قصة خيمة ذيبان، كلام كثير، اقله ان هدم الخيمة، وملاحقة المعتصمين، امر مرفوض، فمن فيها، لم يغلقوا شارعا، ولم يطلقوا رصاصة في ليل هذا البلد، هذا فوق ان الرأي العام يستذكر خيما اخرى، بعضها يصف نفسه بالرمضاني، وتشيع فيها الفواحش، وتتساقط فيها المطربات، فلا يتذكرها احد، بل تشتغل بكل صفاء، ولا يكدر صفو من فيها، احد، فهي عمل من اعمال رمضان، اما خيمة ذيبان فهي رجس من عمل الشيطان، ولا بد من ازالته. خلال سنين الربيع العربي، ولدت سوء الادارة، نتائج سلبية، اذ تم التصرف بتعسف مع اسماء كثيرة، بدلا من الوصول الى حلول وسطى معها، ولا تعرف لماذا نتفنن بتصنيع الاعداء، في بلد، تعد طبيعته الاجتماعية طيبة في الاساس، الى درجة التسامح بالدم، وحقوق الدم، ومثل هذه التركيبة الاجتماعية، يمكن التفاهم معها، فلا حقد في قلوب الناس، ولا احد يريد تخريب البلد، ولا احد عدو، مهما قلنا بحق بعضنا البعض، من اراء وتصنيفات، ساعة غضب او رضى. اذا قال لنا احدهم، ان خيمة المتعطلين عن العمل في ذيبان، مؤامرة دولية كبرى، تريد تدمير البلاد، فليقدم لنا الدليل، او ليكفوا عن التذاكي وتخوين كل من فتح فمه بكلمة، فكلنا نعرف ان القصة في اصلها وجذرها، ظروف اقتصادية صعبة تعصف بالناس، وتترك اثارا حادة على بيوتهم، فوق الاحساس بشيوع الفساد وغياب العدالة. لكن من جهة اخرى يحلل البعض الامر بطريقة مختلفة، فيقولون ان «العين الحمراء» المستجدة ليس سببها تذكر هيبة الدولة، ولا لان هؤلاء يرتكبون فاحشة سياسية ضد بلدهم، بل لان هناك قرارات اقتصادية غير شعبية مقبلة على الطريق، خلال الشهرين المقبلين، ويراد منذ اليوم، اطفاء اي شعلة اعتراض، عبر «التهويب» على اصحاب الرؤوس الصلبة والعنيدة. كل هذه معالجات خاطئة، ونحن نعاني من سوء ادارة للازمات، وللبلد، وليتذكر كثيرون ان خير وسيلة لعلاج كل هذه الاشكالات، هي العدالة، واسترضاء الناس، فهم ليسوا خوارج على وطنهم، واسترضاء الناس هي الوصفة الوحيدة القابلة لان تنجح، ومن يقل غير ذلك، يريد ان يزج بنا، في سيناريوهات سيئة، اذ مع الجوع والبطالة والشعور بالظلم، لا تبقى هناك فائدة، من العين الحمراء، بل لربما، تقدح حياتنا، وتزيدها توترا.
(الدستور 2016-06-19)