ندوات لحجب الواقع !!
من بين مئات بل آلاف الندوات والمؤتمرات التي تعقد في عواصم عربية ويعود المشاركين فيها الى بيوتهم بأخفاف حُنين، وأكياس من الاسواق الحرة، لا تظفر الاسباب الواقعية للتخلف ومحاصيله بندوة واحدة، وهي اسباب نفسية واجتماعية وتربوية قبل ان تكون سياسية، ذلك لأن العرب على ما يبدو لم يعترفوا بعد بأن هناك علم نفس وعلم اجتماع، لهذا يرون الظواهر كما لو انها نبت شيطاني وسياسي بلا جذور ! ويعرف جيدا من شارك في مثل هذه الندوات ان الهدف من بعضها هو اخفاء الواقع وتجميل كل ما هو قبيح فيه، لهذا يصاب المشاركون لاسباب سياحية بضيق التنفّس اذا سمعوا ما لا يروق لهم، وقد يهمس احدهم في أذن الآخر ساخرا ممن يسمون الاشياء بمسمياتها قائلا « الأخ ماخد المسألة جدّ « وفي مثل هذه المناخات الملبدة بالنفاق السياسي والثرثرة الاعلامية بدلالاتها الاعلانية فإن من ينتظر الطحين من الجعجعة سوف يبيت على الطوى ! وقد لا اتصور ان هناك مجتمعا او دولة في العالم تنفق ما ينفقه العرب من أجل حجب الحقائق، وتقديم حفنة من الرمل بدلا من كوب الماء لمواطن تشقق فمه من الظمأ ! والتنافس على الندوات هو في حقيقته تنافس اعلامي على استرضاء النرجسيات الجريحة، ومحاولة ترميمها بفعاليات كرنفالية هي اقرب الى الحفلات التنكرية، وقد لا يصدقني احد اذا قلت بأن هناك جهة شبه ثقافية وشبه سياسية دعتني الى ندوة ذات عنوان مُثير ثم فوجئت بأن المطلوب مني هو كلام لا طعم ولا لون له .. وان كانت له رائحة لا يخطئها حتى من اصابه الزكام، وحين اعتذرت لم تتكرر دعوتي واظن ان هناك قوائم سوداء سرية تضم اسماء من صدقوا ان من يسأل يبحث عن اجابة، والحقيقة ان هناك اجابات جاهزة ومعلّبة تبحث عن اسئلة داجنة !! وحتى المقابلات الصحفية والتلفزيونية التي تتم على هامش مثل هذه الندوات لها اسلوب اصبح شائعا ومفضوحا وهو ان من لا يردد الصدى كالببغاء يقال له ان الوقت انتهى، لكن الوقت يبقى بلا حدود امام الببغاوات التي اتخمت من العلف !!
(الدستور 2016-06-19)