بعد الفلّوجة.. قبل الموصل!
الى ان يتم تطهير ما تبقى من جيوب داعشية في مدينة الفلوجة التي تكاد تختصر المأساة العراقية المتدحرجة, وبخاصة منذ ان اجتاحها الغزاة الاميركيون واعملوا فيها قتلاً وتنكيلاً ووحشية قل نظيرها, انتقاماً لحفنة من مرتزقة بلاك ووتر سيئة السمعة والصيت والارتكابات, فإن الجدل السياسي المحمول على عقلية ثأرية تغرف من المذهبية والطائفية, لن ينتهي, رغم أن الحديث يدور الان, وفي غمرة الحماسة التي استبدت بالاطراف ذات الصلة بعد كسر شوكة داعش واستعادة المدينة المدمرة والمشلولة, عن وجهة القوات العراقية (والميليشيات الاخرى من حشد شعبي او حشد عشائري) وما اذا كانت عاصمة محافظة نينوى ستكون الهدف التالي؟ أم أن الجدل الخلافي حول الموصل, سيكون مختلفاً في الشكل والمضمون وبخاصة في بعديه الاقليمي والدولي, فضلاً عن الهوة الداخلية المتسعة اصلاً والتي سيكون ردمها مستعصياً ما يحول دون الاتفاق ليس فقط على موعد «بدء» معركة تحريرها بل وايضاً في مَن «يحق» له المشاركة فيها, ناهيك عن الثمن المطلوب دفعه من قبل اطراف معينة, ليس فقط سياسياً وانما ايضاً في ما خص مستقبل العراق بعد الانتهاء من «صفحة» داعش التي قد تُطوى اذا ما تم تحرير الموصل, لكن داعش لن ينتهي كظاهرة وفكرة ظلامية سوداء, تجتذب فئات وشرائح يائسة أو متطرفة ذات نزعات تطهرية, تظن ان داعش سيحقق لها ما تريد, الامر الذي قد يتحول الى خلايا نائمة واللجوء الى حرب عصابات تضرب عشوائياً, لكنها تزرع الرعب وتمس بالاستقرار وتُبقي على البلاد سواء في العراق أم في سوريا اذا ما تطورت معركة تحرير الطبقة (الجيش السوري) ومنبج (قوات سوريا الديمقراطية) الى تحربر الرّقة ودحر داعش منها.
لنبدأ اولاً من الاثمان «السياسية» التي بدأت تظهر في العلن, أقله في التصريح الذي اطلقه مسرور برزاني نجل رئيس اقليم كردستان عندما قال :ان العراق بعد تحرير الموصل لن يكون كما قبله, وخصوصاً بعد فشل مشروع الفيدرالية ما يستدعي الانتقال الى صيغة الكونفدرالية التي تعني ان تكون عواصم «الحكومات» الثلاث المنبثقة عنها متساوية, وهذا يعني أن يكون للكرد دولتهم وللشيعة وايضاً السُّنة الذين من حقهم – وفق الدستور – ان يُقيموا دولتهم في اطار «الكونفدرالية» في مناطق وجودهم.
هذه الصراحة الكردية تعني, ضمن امور اخرى, ان علينا الاتفاق قبل تحرير الموصل, الامر الذي يستدعي – وبالضرورة – تدخل اطراف اقليمية اخرى (دع عنك حكومة بغداد المركزية) وبخاصة تركيا التي تتواجد قواتها في معسكر بعشيقة, وهناك ايران التي وإن كانت علاقاتها لم تتدهور مع اربيل, الا انها ستنظر بعين الريبة الى «الوليد» الجديد (الكونفدرالية) وبخاصة الموقع الاستراتيجي للاقليم والحكومة السُّنية التي ليس فقط ستكون على حدود سوريا ,بكل ما يعنيه من تطور جيوسياسي واحتمالات تحول الدولة السنية (في اطار الكونفدرالية) الى ممر ومستقر لنفوذ وقوات دول اخرى, لا تخفي عداءها لطهران أو لنفوذها المتنامي في المنطقة.
ثم..
اذا كان الجدل حول تحرير الفلوجة استمر كل هذا الوقت وخضع لكل تلك التجاذبات والاتهامات المُتبادلة واستدعاء كل طرف لمخزونه الطائفي والمذهبي واستنجاده بحلفائه الاقليميين أو استدراج «عروض» لعواصم دولية(إقامة قواعد عسكرية أوجوِّية) تقف على رأسها الولايات المتحدة التي كان موقفها على درجة عالية من النفاق والاستخدام المُفِرط للكذب, واللعب على تناقضات الاطراف العراقية, فإن «مسألة» الموصل, ستكون اكثر تعقيداً وربما سخونة قد تتحول الى مواجهة عسكرية بين من يُفترَض انهم «كانوا» في معركة تحرير الفلوجة في خندق واحد, فاذا بهم يستعدون الان للاستحكام في المتاريس المُتقابِلة, وجعل داعش يتفرج وربما يستغل الفرصة للانقضاض على احدى البلدات أو المواقع العسكرية, أو ربما يُحاول التلويح بـِ»تحالف» مع احد الاطراف العراقية, كي يخلط الاوراق ويستفيد من كل العداوات التي لم تُزِلها الدماء المشتركة التي نزفت في احياء وشوارع مدينة الفلوجة ,التي يقال في صالحها, كما اتفق كثيرون من عراقيين وغير عراقيين, انها من أغنى المدن العراقية وأجملها.
المشهد.. بعد الفلوجة وقبل الموصل يبدو أكثر تعقيداً ويتجاوز بكثير مسألة الفرحة التي غمرت قطاعات واسعة من العراقيين وغير العراقيين لأن شوكة داعش كُسِرَت هناك, رغم ما لحق بسكانها من مآس وسفك للدماء وخراب لبيوتهم ودمار في المرافق العامة والخدمات, حتى قيل أنها تحولت الى مدينة اشباح, وبات جل سكانها لاجئين ومشردين وهائمين, لكن «الموصل» مدينة وعاصمة لمحافظة نينوى وتاريخاً, فضلاً عن الوجود المكثف والعميقا لداعش فيها, ستتحول الى مُعضلة عراقية واقليمية ودولية, لأن «منها» سيتحدد مستقبل العراق الجغرافي والسياسي والاقليمي وعبر هذه المدينة التي سقطت في قبضة داعش في ظروف مشبوهة لم تُعرف تفاصيلها بعد, ستُرسم خرائط المنطقة بعد ان يكون المشهد السوري قد انجلى.
في السطر الاخير... رغم وعود العبادي بأن الموصل ستُحَرَّر قبل نهاية العام, فإن من الحكمة عدم النظر الى الامر وكأنه فعلاً على طريق التنفيذ.
(الرأي 2016-06-19)