نساء غير مستقلات
ليس مجديا أن نكثر من المطالبات بسن تشريعات تحمي المرأة في الأردن، بينما يعكس الواقع الحقيقي لأحوال المرأة اختلالا جوهريا في مضامين اقتصادية واجتماعية ذات مساس مباشر باستقلالية النساء في البلاد.
التشريعات والقوانين تقول بعدم التمييز، وتنص صراحة على المساواة في الأجر بين المرأة والرجل, لكن الواقع المؤسف يشير إلى أن نسبة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي تحوم حول 21 % من الفئات العمرية كافة فوق سن 15 عاما، فيما يستحوذ الذكور على 69 %، وبما يعني أن هذه النسبة المتدنية على المستوى العالمي تعكس غياب أي اختراق أنثوي لسوق العمل، ما ينعكس على شكل علاقات مشوهة في المشهد الاقتصادي والاجتماعي، ليس أقلها ارتفاع منسوب معدل إعالة الأفراد بالنسبة لأرباب الأسر الأردنيين.
والصادم مع هذه النسبة المتدنية، أن أكثر الأردنيات يبدأن الانسحاب من سوق العمل في عمر الثلاثين، رغم وجود القدرة لديهن، بدنيا وتعليميا، لمواصلة العمل. ويبدو أن هذا الانسحاب مرتبط بتقاليد اجتماعية تدفع المرأة نحو ترك عملها، كي يتسنى لها تأسيس بيت الزوجية وتشكيل أسرة، إضافة إلى تربية الأولاد، وغير ذلك من المهام.
ولعل الدراسات الحكومية تجيب عن أسئلة الانسحاب هذا. فنحو 69 % من النساء يتزوجن في الفئة العمرية 30 - 49 عاماً. ولذلك، فإن هذا الانسحاب التكتيكي يهدف إلى البحث عن السكينة والطمأنينة في بيت الزوجية من دون الغرق في عذابات العمل. وهي الإشكالية التي جعلت من عتبة الزواج متقدمة إلى هذا الحد لكل من الذكور والإناث، في ظل التحولات الاقتصادية السلبية التي جرت في المملكة خلال العقدين الماضيين.
ما الذي يعنيه أن تكون نسبة 78 % من النساء خارج قوة العمل؟ في تقديري، ذلك يعني، من دون مواربة أو تجميل، أن ثماني نساء من بين كل عشر نساء فوق سن الخامسة عشرة يعتمدن على الرجل في معيشتهن وتدبير أمور حياتهن على الصعيد المالي. وهذا يعني بالضرورة علاقة مرتبكة في مدلولاتها المالية والاجتماعية وكذلك الأسرية، إذ لا تستقيم العلاقات بهذا الشكل غير المتجانس من ناحية الدخل والإيرادات والقدرة على تدبير أمور المعيشة وتعقيداتها.
والحالة هذه، كيف سيتسنى للمرأة أن تكون مستقلة في تفكيرها ووعيها وفي رسم خريطة مستقبلها وهي لا تملك الاستقلالية بالمفهوم المالي؟ أكثر من ذلك، شكل التشوه في البنيان المجتمعي الذي يساوي بين المرأة والرجل في التعليم، حتى جاءت النسب متساوية في كثير من الجامعات والتخصصات، لكن ما إن يصطدم الخريج -لا الخريجة- بصخرة الواقع العملي حتى تبدأ شبكة من العلاقات المعقدة بالسيطرة على إيقاع حياته، فهو وحده المسؤول عن تأسيس بيت الزوجية بالمعنى المالي، ولذلك تراه يلهث داخل الوطن وخارجه من أجل أن يؤمن نفقات البيت، بينما تركن الزوجة إلى ترك كل هذا والتفرغ لمملكتها داخل البيت فقط.
تعليم المرأة وعملها وانسحابها من العمل وغير ذلك من نمط معيشتها الذي ينطوي على تبعية كبيرة، قرره آخرون وفقا لشكل اجتماعي شديد التحصين. وهو القرار الذي يدفع ثمنه الرجال والنساء على حد سواء، وأبشع ما فيه أن المرأة ليست مستقلة مضمونا وشكلا، وأن الرجل ملزم بتولي دفة القيادة بأي ثمن، رغم انحسار قدرته وقدرة الاقتصاد وضعف الخيارات بوصف عام.
(الغد 2016-06-21)