أين نقف؟ وماذا بعد؟
وفق التقاليد السياسية والموروث الأدبي والبروتوكولات، فمن المفترض أن يكون رد الحكومة بمثابة تغطية لكل الجوانب التي تناولها كتاب التكليف الملكي. لنفترض أنّ ذلك ضروري، لكن كنا نتمنى أن يكون الرد (-الخطّة) غير تقليدي، أو أن يحمل إضافة نوعية جديدة، تتمثل في التركيز -مثلاً- على جوانب الخلل والقلق لدى الدولة والمواطنين، وتقديم تصوّر لرؤية الحكومة الكلية في التعامل معها، والأولويات المهمة التي ستركز الحكومة على إنجاز إصلاحات حقيقية فيها، ثم يتم سرد التفاصيل الفنيّة الكثيرة التي استغرقت رد الحكومة وخطتها التنفيذية.
صحيح أنّ هناك خطوطاً عامة، وصحيح أنّها خطة تنفيذية، حاولت تقديم خريطة عمل الوزارات خلال المرحلة المقبلة، لكنّ جزءاً كبيراً منها يدرج ضمن "التفاصيل". نحن نريد الخطوط العامة، ليس على سبيل السرد أو الوعود النظرية، بل على صعيد التفكير الجدّي في إحداث "تحويلة" نوعية في المسار، وتجاوز العقبات والعراقيل العديدة في السياسات المهمة.
الحكومة، مثلاً، تعهدت بحماية عمل الهيئة المستقلة للانتخاب، وليتها أضافت فقرات أكثر قوة في هذا الموضوع، مثل التأكيد على أنّها ستكون حريصة على منع أي تدخل رسمي في عمل الهيئة وفي نتائج الانتخابات؛ وعلى أهمية الانتخابات في الوصول إلى برلمان قوي وفاعل يعيد التوازن إلى عمل السلطات. فمثل هذه الفقرة ستحمل رسالة سياسية قوية لتعزيز الانتخابات وخلق المناخ السياسي المناسب.
في موضوع الموازنة؛ هنالك معضلة المديونية والعجز. وكما هو معروف، فالحكومة تجنّبت الحديث عن الكهرباء والمياه في المرحلة الأولى، على الأقل إلى حين الانتخابات النيابية، بإيعاز من صانع القرار، لكن من الضروري أن يكون هنالك "إضاءة" للأردنيين على مجمل هذه المشكلة ونوعية الحلول المطروحة.
صحيح أنّ الحكومة تحدثت عن الأهداف في تنزيل الدين العام من نسبة 94 % إلى 77 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكن من المهم أن نعرف ما هي الخطوط العريضة للحكومة لتحقيق هذه الأهداف، وكيف ستتعامل مع قانون ضريبة الدخل ومطالب "الصندوق"، ومع معضلة التهرب الضريبي، وتطوير قدرات دائرة ضريبة الدخل، بما يطوّر أداءها لتكون قادرة على ملاحقة المتهربين. ولماذا لا تكون هنالك رسالة مهمة للحكومة عن التهرب الضريبي والتحول المطلوب في التعامل معه؟
والحال نفسها بالنسبة لسوق العمل والتشغيل؛ فما هي الخطة الحقيقية للحكومة للتعامل مع إعادة هيكلة سوق العمل وإزالة الاختلالات الجوهرية الكبرى فيها، وإدماج الأردنيين بالتدريج في هذه القطاعات، وتطوير قوانين العمل وأنظمته بما يكفل هذه النقلة النوعية؟
وفي التعليم؛ تحدثت الحكومة على استحياء عن قضايا فنية، لكنّها أغفلت موضوع "المنهج الخفي" الذي يرتبط بتأهيل المعلمين، مع أنّ هنالك دراسات غير منشورة في أدراج "صانع القرار" عن أهمية هذا المنهج في مدخلات التعليم. ولم تتحدث عن تطوير المناهج بالدرجة المطلوبة لتكون قادرة على نقل طلبتنا وتعليمنا إلى مرحلة التفكير والبحث والنقد.
وفي التعليم العالي كذلك، تحدثت الحكومة عن إنهاء "البرنامج الموازي"، بالتدريج، وفقاً لتوصيات مهمة صدرت مؤخراً بخصوص هذا البرنامج؛ وتحدثت عن سياسات القبول، لكنّها لم تتحدث عن الكيفية التي ستعوض بها العبء المالي الكبير، ولا عن الحدّ من التغول على سياسات القبول عبر "الكوتات" الهائلة غير المنطقية.
وهكذا..؛ طالما أنّ الحكومة تنوي البقاء 4 أعوام، وحريصة على ذلك، فإنّنا نريد معالم أكثر وضوحاً لبرنامج إصلاحي ينتبه، أولاً، إلى الاختلالات الكبرى، ويقدم، ثانياً، "نقاط التحول" المطلوبة، ويقنع المواطنين أنّنا أمام تغييرات جذرية وحكومة مختلفة، وأنّنا لا ندور حول أنفسنا بينما المشكلات تتعاظم وتكبر.
نريد من الحكومة أن تؤشر لنا: أين نقف... وماذا بعد.
(الغد 2016-06-21)