هل تندلع «الحرب» من بحر الصين الجنوبي؟
رغم وجود اكثر من بؤرة توترعالمية واقليمية, تُهدِّد بمزيد من المواجهات بين موسكو وواشنطن, بعد ان سارت الاخيرة في طريق التصعيد والتطويق العسكري لروسيا وتأليب دول حلف شمال الاطلسي ضدها, على النحو الذي شهدته قمة حلف الناتو في العاصمة البولندية وارسو (وما ادراك ما هي وارسو, ومغزى اختيارها في هذا التوقيت الدولي الساخن لعقد قمة الناتو) والاحتمالات المفتوحة لتدهور الاوضاع في الساحتين الاوكرانية والسورية, بفعل اصرار ادارة اوباما على المضي قدماً في عرقلة تنفيذ اتفاق مينسك2، وتوفير الدعم لحكومة الرئيس الاوكراني بوروشينكو الذي يتملص من الالتزامات التي نص عليها (مينسك2) وخصوصاً في شأن اقرار قانون اللامركزية في شأن الاقاليم الشرقية (الدونباس) كذلك في مجريات الازمة السورية ودعم الدبلوماسية الاميركية لمحاولات المبعوث الدولي دي ميستورا, إعاقة استئناف مفاوضات جنيف عبر القول (غير الصحيح بالطبع بل المُضلِّل) بأن حل الازمة في يد موسكو وواشنطن، فيما هو في واقع الحال بيد السوريين... وحدهم.
نقول: رغم كل ذلك فإن احتمالات اندلاع حرب «كبرى» قد تكون اقل من حرب عالمية ثالثة ولكنها اكبر من حرب تقليدية بين دولتين «عاديتين»، تبدو هذه المرة مُرَجّحة وإن ليس من المؤكد ذهاب المعنيين بها, الى اخر الشوط، كونها ستكون حرباً مُدمِرة وتفتح مآلاتها, الطريق على نظام دولي جديد يصعب التكهن بملامحه، كون المتواجهون في الخنادق يتوفرون على اسلحة وقوة وتحالفات, من غير الحكمة تسخيرها في اتون حرب يمكن الدبلوماسية والمفاوضات ان تُنفّس الاحتقان وتُبَرّد الاجواء وتنزع فتيل «الأزمة».
هل قلنا الأزمة؟
نعم فبحر الصين الجنوبي يبدو انه «يغلي» بالفعل، ليس فقط بفعل المناورات العسكرية التي انتهى بعضها وبعضها الآخر في طريقه للانتهاء والاخيرة قامت بها الصين في شكل مفاجئ في منطقة جزر «باراسيل»، بعد ان كانت واشنطن قد نظمت مناورات شاركت فيها الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان، وطبعاً كل ذلك جاء في اطار انتظار «الفرقاء» لقرار «محكمة التحكيم الدائمة» في لاهاي, في شأن السيادة على بحر الصين الجنوبي، حيث تقدمت الفلبين بدعوى لدى هذه المحكمة، فيما رفضت بيجين ذلك وقاطعت المحكمة نهائياً وقالت: انها لا توافق عليه ولا تعترف بأي قرار يصدر عن المحكمة.
واذ اصدرت «المحكمة» قرارها قبل يومين وجاء كما كان متوقعاً لصالح مانيلا وفي لغة جافة بل عدائية وكيدية, عندما انكرت حق الصين في السيادة على جزر «نانشا» في بحر الصين الجنوبي(تسمية الجزر مختلفة بين المتنازعين عليها) كذلك على المنطقة الاقتصادية التابعة لها, فإن رد بيجين لم يتأخر وكان متحدياً ونارياً وحاسماً وخصوصاً في تمسكها بحقوقها التاريخية وتجديد تعهدها بتجاهل الحكم وتأكيدها أن «قواتها المسلحة» ستحمي سيادتها الوطنية ومصالحها البحرية, وكان تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ ذروة الوضوح في الموقف الصيني الحاسم: إن سيادة الصين على اراضيها ومياهها ومصالحها في بحر الصين الجنوبي لن تتأثر بالقرار في اي ظرف كان, فيما وصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي «القضية» بأنها «مهزلة» لكنها تُفاقِم النزاع في المنطقة المتوترة أصلاً وتدفع الى المواجهة!؟
فهل نضجت الظروف بالفعل لمواجهة محتملة.. كهذه؟
يبدو أنها كذلك, أو أنها في طريقها الى النضوج اذا ما أخذنا في الاعتبار, الاعلان الاخير الذي صدر عن كل من سيئول وواشنطن باتفاقهما على نشر درع صاروخية في اراضي كوريا الجنوبية «لحماية القوات المسلحة المتحالفة مع كوريا الجنوبية من تهديدات اسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية», وهو اتفاق اثار غضب الصين وروسيا ودفعهما الى اصدار تصريحات رافضة ومُحذِّرة من أن نشر منظومة صواريخ (ثادTHAD ) سيُزعزع التوازن الامني في المنطقة على ما قالت بيجين, فيما رأت موسكو انه تهديد للتوازن الاستراتيجي في المنطقة.
زد على ذلك توتر علاقات الصين بالدول التي تُنازعها السيادة في تلك المنطقة وعلى رأسها فيتنام (وما ادراك ما فيتنام وتحالفاتها الاميركية الوثيقة هذه الايام) والفلبين, حيث تتمسك بيجين بمبدأ الحوار «الثنائي» مع الدول المعنية, بعيداً عن الضغوط الدولية, كطريق لحل النزاعات, في الوقت ذاته الذي تتهم فيه الصين الولايات المتحدة ,بدفع حلفائها الاقليميين وخصوصاً الفلبين وفيتنام, الى منازعة الصين السيادة في المنطقة.
في السطر: ترى واشنطن ان قرار المحكمة «نهائي ومُلزِم» فيما تقول وزارة الدفاع الصينية انها «ستحمي بقوة... السيادة الوطنية والامن والمصالح والحقوق, وستُدافع بقوة عن السلام والاستقرار الاقليمي وستتعامل مع جميع انواع التهديدات والتحديات».
هل يمكن الجسر بين المواقف التي تتسع الهوة بينها حول منطقة تفوح منها رائحة النفط, وأرقام التجارة البحرية الضخمة التي تزيد على خمسة تريليونات دولار؟
.. الايام ستُخبرنا.
(الرأي 2016-07-14)