يوليو.. فصل ضائع من عمرنا !
هي محطة مفصلية وعلامة فارقة في تاريخ مصر، هي ثورة مصرية عربية كانت ملهمة لكل حركات التحرر في العالم الثالث. النيل يشير اليها وهي تشير الى شعب مصر الذي سكنت في ذاكرته ، فاحتضنها وحماها من النسيان ، لأنها حملت هوية بلد النيل والقمح والقطن والذرة والفقراء ، ومنحتنا قوة الامل على امتداد حدود الوطن الكبير من مشرق الامة الى مغربها .
اليوم ، في ذكراها ، افتقدناها ، وأدركنا وسط هذا التيه ، أن ثورة 23 يوليو تمثل فصلا ضائعا من عمرنا . اليوم ابحث عن وسيلة لاختصار المسافة واختزال الكلمات للوصول الى مصر في ثورتها التي كانت بداية المد القومي وقيادة حركات التحرر . نعرف ان مصر ظلت في مكانها دولة عميقة ، لها نيلها وتاريخها وحضارتها ، ولكننا نتطلع الى دورها ، دور الدولة القائد في بحر متلاطم بالحروب ، يموج بالدم .
نتطلع الى مصر المكتفية المقتدرة ، رغم جرحها النازف في سيناء ، ورغم عمليات العنف والفوضى التي تتصدر مشروع اصحاب الاجندات الخارجية ، من الساعين للقفز على السلطة باسم الدين السياسي. نحن على يقين بان مصر العميقة ولاّدة ، قادرة على بناء اقتصادها، وتأمين كفايتها، وتحرير قوت شعبها، والحفاظ على استقلال قرارها، كما هي قادرة على اجتثاث الارهاب والقضاء على الفوضى والعنف، واستعادة مكانها ودورها الذي تستحق تحت الشمس .
ثورة يوليو، في ذكراها، تقودنا الى اول النشيد، كي لا ننسى مصر التي قدمت للعرب هوية الروح ووحدة الوعي والوعد، المرتبطة بوحدة التاريخ واللغة والثقافة والمصير. أذكر مصر التي في خاطري، التي يتردد اسمها في حناجر المنشدين دون خوف من حساب النتائج، والتي تمنحنا القوة لرد الغزوات عن بلادنا بلا تردد او اعتذار ..
صحيح ان للثورة اخطاءها الكثيرة ، ولكن انجازاتها أكثر وأهم وأبقى ، حتى بعد هزيمة حزيران القاسية كانت الامة أقوى ، فقد ثبت أن حزيران لم يكن هو الأسوأ في عمر الامة ، بالقياس مع هذا التدهور الشامل العام الذي لم ولن يتوقف في المدى القريب . حيث تواجه الدولة العربية مشروع التفكيك والتقويض والفوضى، الذي يتم تنفيذه بادوات عربية واسلامية ، بوعي وقصد . ولكن يجب ان يعرف الجميع ان المشروع يشمل المنطقة كافة بكل عربها ومسلميها دون استثناء .
الحقيقة التي علينا ادراكها ان العالم كله يتحرك نحو اليمين ، وبالتالي يسعى المخططون ، واصحاب القرار في النظام العالمي الجديد جرنا الى مرحلة صراع الحضارات التي بشر بها صموئيل هنتنغتون ، حين قال ان الصراع ما بعد الحرب الباردة سيكون بين الثقافات والحضارات والاديان، على أنقاض الدولة القومية، على عكس ما اعتقد به فوكوياما في كتابه « نهاية التاريخ والانسان الاخير»، الذي قال أن النزاع بين الدول سيكون سياسيا واقتصاديا ، وأن الديمقراطية الليبرالية ستكون الشكل الغالب على الانظمة في معظم الدول .
الثابت، بلا ادنى شك، أن الدول الغربية التي تكرّس مبدأ فصل الدين عن الدولة ، وتطبق النظام المدني العلماني في بلادها ،هي التي تدعم وتسلّح الفصائل السياسية الاسلامية المتطرفة التي تقاتل في ليبيا والعراق وسوريا ومصر وتونس، وهي التي اسقطت الانظمة العلمانية العربية ، ونشرت «الفوضى الخلاقة» الهدّامة . هذه الدول هي ذاتها التي تعاني اليوم من موجة الارهاب والعنف في عواصمها ، التي ينفذها مسلحو هذه التنظيمات التي اصبحت تيارا ارهابيا دوليا ، وكأن القصد، عبر هذا التواطؤ، جر الحضارة والثقافة الاسلامية الى صدام مع الحضارة والثقافة الغربية .
اخيرا نقول ، في ذكرى ثورة يوليو ، أننا افتقدنا الثورة وقائدها ، وعلى مصر أن تستعيد دورها الوطني والقومي، في مرحلة التيه العربي، من أجل وقف هذا التدهور، وان كنا نحتاج الى معجزة تعيد الى الذاكرة والواقع ثورة يوليو» ام حركات التحرر» ، وقائدها الزعيم عبد الناصر عليه الرحمة وله المجد..
(الرأي 2016-07-25)