تونس: ديمقراطية «خَشِنة».. أطاحت الحكومة!
لم يكن رئيس الحكومة التونسية «المُطاح»... الحبيب الصيد، في وضع يُحسَد عليه, عندما وقف أمام البرلمان التونسي «لاجئاً» إليه, كي يمنحه الثقة أو يحجبها عنه، مُدرِكاً في الآن ذاته, أنه يخوض معركة عن مستقبله السياسي ، تُشكِّل – ربما – رافعة له عندما يحين الاستحقاق الرئاسي, بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي, أو اضطراره للاستقالة تحت وطأة المرض او شغور المنصب... قضاء وقدراً، على نحو بدا فيه الصيد وكأنه في وقفته أمام البرلمان, إنما «يفضح» ويُعرّي تحالفاً حزبياً رباعياً, كان وراء تسميته – كمستقّل – رئيساً للحكومة الجديدة بعد انتخابات عام 2014، ثم ما لبث هذا التحالف ان رفع الغطاء عنه، عندما برزت الى الفضاء التونسي «فكرة» تشكيل حكومة «وحدة وطنية»، جاءت هذه المرة من القصر الرئاسي دون تشاور مع رئيس الحكومة, المُستهدَف في حد ذاته من اقتراح كهذا, تفوح منه رائحة الاتهام الواضح له بالفشل في حلّ المعضلات التونسية, وخصوصاً في أن حكومته ليست «حكومة وحدة وطنية».
منذ اوائل حزيران الماضي بدأت أزمة حكومة الصيد, عندما أعلن رئيسها انه يرفض الاستقالة راغباً في المضي الى نهاية الشوط كي يُكمِل حسابه «المفتوح» مع التحالف الرباعي الحزبي, الذي يشكل الحزبان الرئيسيان, حركة النهضة ونداء تونس... عماده الرئيس، بعد ان تخلّيا عنه وراحا يمارسان ضغوطاً هائلة عليه, مصحوبة بحملة اعلامية منسقة تكاد تُحمّله أوزار ما تعيشه تونس من أوضاع صعبة، وبخاصة على الصعيدين الاقتصادي والأمني, رغم اقرار الجميع بأن الرجل نظيف اليد وكفؤ.
ما علينا..
جلسة السبت الطويلة للبرلمان التونسي والتي امتدت الى ساعات فجر الأحد, كانت كاشفة ومضيئة على طبيعة ما يحدث في تونس الآن من سجالات وتجاذبات بل وتصفية حسابات حزبية وشخصية, خصوصاً مع رئيس الحكومة الذي منحته «استقلاليته» هامش مناورة واسعاً ,كان سيفتقده لو كان حزبياً على النحو الذي رأيناه في «المصير» الذي آل إليه حمادي الجبالي (حركة النهضة) بعد خلافه مع راشد الغنوشي, الى ان خَلَفَه علي العريّض حتى وصول الحبيب الصيد الى رئاسة الحكومة قبل عام ونصف تماماً (شباط) خلفاً لحكومة «التكنوقراطي» مهدي جمعة, الذي اشرف على الانتخابات ولم تُعمِّر حكومته سوى سنة واحدة.
لم يكن الصيد واهماً بأنه سينجح في «اقناع» البرلمان التونسي بالحجج والبراهين التي سترد في خطابه الصريح... شديد الوضوح والنبرة، بعد أن قال حزب نداء تونس انه: يرفع الغطاء عنه, ثم تبعته حركة النهضة التي اتّسم سلوكها (كالعادة) بالانتهازية والتلوّن, وقد تبدى ذلك في التصويت على الثقة بحكومة الصيد يوم السبت, عندما امتنع بعض نواب الحركة عن التصويت ضد حكومة الصيد وان كانوا لم يمنحوها الثقة أصلاً, ما اشّر الى توزيع للادوار اكثر منه ديمقراطية, ارادت الحركة ان تمنح اعضاءها حرية التصويت في الاتجاه الذي يريدون .. رغم ان نائبة عنها مضت بعيدا في تطرفها عندما وصفت حكومة الصيد بانها حكومة «الفضائح»، في تضاد «اخلاقي» وسياسي مع مزاعم راشد الغنوشي, بان ما حدث في تونس هو «مؤشر على الديمقراطية وممارسة راقية»، تماما كما هي حال كتلة حزب نداء تونس التي ادعت انها كانت تأمل لو ان الصيد قدَّم حقائق عن الوضع الاقتصادي «الكارثي»، لكنه فضّل (والكلام للنداء) تقديم «مغالطات سيتحمل مسؤوليتها امام التاريخ».
إذاً تَحَوَّل رئيس الحكومة المُطاح... الحبيب الصيد، الى كيس ملاكمة للجميع وكبش فداء، لكل الأخطاء والخطايا التي تمت مقارفتها منذ انتصار الثورة وقدوم حكم الترويكا برئاسة الديمقراطي المزيف المنصف المرزوقي, وليس انتهاء بما لم ينجح حكومة مهدي جمعة في انجازه عندما قيل ان الحل في تونس يبدأ بقيام حكومة «تكنوقراط» غير حزبية، لكن المُعارَضة التونسية اليسارية لها رأي اكثر وضوحا في ما جرى, اذ وصفته الجبهة الشعبية اقوى تشكيلات المعارضة, بانه «مسرحية هزلية، استَخفَّ فيها نواب الائتلاف الحاكم بعقول التونسيين، وانها لا تعدو كونها «تصفية حسابات مع رئيس الحكومة، لا ترسيخاً لأعراف دستورية حقيقية»، فيما قالت احزاب اخرى – يسارية – ان ما جرى ما هو إلاّ «إعداد لحكومة مُقبلة، طيّعة ومطيعة عبر استخدام شخصية اكثر ليونة من الصيد».
في السطر لم يُخطئ الصيد عندما وصف مبادرة الرئيس تشكيل حكومة وحدة وطنية بانها تستهدف «تنحيته» وهذا ما حصل في النهاية وفي أقلِّ من شهرين، واطاحة حكومة الصيد, يعكس في رأي احزاب معارضة وازنة، «ازمة رئاسة في البلاد» حيث يرغب السبسي بتفضيل «ابنه» متناسيا ان الامر يتعلق بشؤون الدولة لا بشأن عائلي او منزلي، الى جانب – يضيفون – الخلافات بينها وبين رئاسة حكومة حيث كشفت الاحزاب الحاكمة بوضوح عن «ازمة حُكْمٍ بأكملها».
الاوضاع في تونس تُنذر بمزيد من السجالات والمناكفات واحتمالات التوافق بين الثنائي (النداء والنهضة) تبدو اضعف اليوم من اي يوم مضى,ما سيحول دون قيام حكومة»وحدة وطنية» أو سرعة تفكُّكِها ,هذا إذا ...قامت.
(الرأي 2016-08-01)