علبة بسكويت ثمن شهداء الأسد في سوريا
لم يمر على سوريا رئيس يحتقر أتباعه والذين يضحون بدمائهم من أجل نظامه كما يحتقر بشار الأسد من يسميهم إعلامه بالشهداء. حتى أبوه حافظ الأسد عامل الشهداء في سوريا معاملة جيدة، فأمن لذويهم المسكن المحترم، وأعطاهم رواتب، حتى أنه خصص لأولادهم منحاً جامعية، خاصة إذا كانوا من الساحل السوري. وقد أطلق حافظ الأسد ذات يوم عبارة يذكرها كل السوريين لوصف الشهداء. قال: «الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر». أما ابنه بشار فراح يتفنن في احتقار شهدائه. ولو نظرنا إلى اللغة التمجيدية التي يستخدمها الإعلام الأسدي للضحك على ذقون اتباعه والطريقة التي يعامل فيها ذوي شهدائه على أرض الواقع لوجدنا الفرق شاسعاً جداً.
طبعاً لا بأس أن يلعب الإعلام السوري بعواطف المغفلين الذين فقدوا فلذات أكبادهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، طالما هم لا يمانعون في تقديم أولادهم أضاحي في حرب الأسد اللعينة. لكن هل يسمح لنا أهالي «الشهداء» أن نسألهم السؤال التالي: ألا ترون تناقضاً كبيراً بين اللغة التي يستخدمها إعلام الأسد وهو يزف أولادكم القتلى عرساناً وأبطالاً ميامين، وبين الطريقة التي يعوضكم فيها النظام عن قتلاكم؟ إذا كنتم لا ترون التناقض مصيبة، وإذا كنتم تقبلون بالطريقة التي يعوضكم فيها الأسد عن «شهدائكم» فالمصيبة أكبر.
هل تتذكرون يا أهالي «الشهداء» كيف بدأ النظام مسلسل التعويضات لذوي القتلى؟ قبل سنتين تقريباً شد وزير الزراعة الرحال إلى مدينة السويداء بناء على أوامر بشار، والتقى بأهالي القتلى. وظن الأهالي وقتها، وكل الظن أثم في هذه الحالة، أن سعادة الوزير قادم إليهم بتعويضات معتبرة عن فلذات أكبادهم الذين قضوا من أجل بشار وهم في ريعان الصبا. كيف لا وأن إعلام النظام يبث أخبار الشهداء بطريقة درامية تخليدية مهيبة، فهو يغدق على القتلى أوصافاً عظيمة للغاية، فهذا عريس وذاك بطل الأبطال وذاك مغوار.
وبالتالي لا بد أن يتناسب وصف الشهيد مع قيمة التعويض. لكن هيهات، فالكلام بالنسبة لإعلام النظام ببلاش. أما التعويض المادي فهو يعكس بشكل دقيق نظرة النظام إلى الذين يقاتلون من أجله. وإلا كيف يقدم وزير الزراعة السوري نيابة عن بشار الأسد عنزة لعائلة كل «شهيد» كما فعل في السويداء؟ هل يعقل أن الشاب الوسيم «الشهيد» الذي لم يبلغ من العمر عشرين عاماً بعد يساوي رأس معزة في أقانيم الأسد؟ كيف تقبل العائلة التي فقدت أعز أحبائها بعنزة تعويضاً عن شهيدها؟ ألا يعتبر ذلك احتقاراً لذوي الشهداء، خاصة وأن العنزة لا تحظى بسمعة عطرة في الثقافة الشعبية السورية؟ ألا نشبّه الأشياء القبيحة عادة بالعنزة في سوريا؟ فلماذا يقدمها بشار الأسد إذاً تعويضاً عن أرواح شهدائه الأبرار؟
ولو ظل النظام يقدم رأس معزة على علاته تعويضاً عن كل قتيل لربما قبل به أهالي الضحايا على مضض، فبالرغم من أن فيه الكثير من الاحتقار لهم، إلا أن العنزة يمكن أن تنتج الحليب للعائلة التي فقدت معيلها، ولا تملك من بعده ثمن ربطة خبز، لكن النظام راح يمعن في احتقاره لأهالي قتلاه، فقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أنه بدأ يستكثر عليهم حتى العنزة.
وقد شاهدنا كبار الضباط والمسؤولين السوريين قبل أشهر وهم يزورون ذوي القتلى في الساحل السوري، ويقدمون لهم ساعات حائط من النوع الرديء لا يزيد ثمنها عن دولار أمريكي واحد. يا بلاش. هل يعقل أن يقبل أهالي الشهداء بهذا التعويض الحقير عن أرواح شبابهم التي قدموها رخيصاً لبشار الأسد وعصابته؟ ألم يكن حرياً بهم أن يطردوا الضباط من بيوتهم، بدل قبول تعويضاتهم وهداياهم الرخيصة التي تعبر عن استرخاص النظام لفلذات أكبادهم؟
لم يبق سوري قرأ عن تعويضات النظام لشهدائه إلا وبصق على النظام وعلى الذين قبلوا هداياه. لا بل إن صفحات التواصل الاجتماعي امتلأت بالتعليقات الساخرة. فقد كتب أحدهم قائلاً إن بشار الأسد قرر أن يزيد قيمة التعويضات المقدمة لأهالي القتلى، فبالإضافة إلى ساعة الحائط أصدر مرسوماً جمهورياً لتزويد كل عائلة بساعة ومسمار صغير كي تعلق الساعة عليه.
لا شك أن أبواق النظام ستقول لك إن البلاد تعيش أزمة اقتصادية كبيرة، وأن قيمة الشهداء لدى السيد الرئيس أكبر بكثير من رأس عنزة وساعة حائط لو كان الوضع الاقتصادي أفضل. يا سلام. طيب لماذا لم يسحب السيد الرئيس فقط مليون دولار من حسابه في بنوك بنما ليصرفها على أهالي «الشهداء الأبرار»، خاصة وأن الوثائق الدولية الأخيرة أظهرت أن بشار لديه حسابات بمئات المليارات من الدولارات؟ ولو سحب مليوناً فقط فهذا لن يؤثر على رصيده الملياري. لكنه لا يعير شهداءه المزعومين أي قيمة.
وبالتالي فهو يعتبر أن العنزة التي قدمها في السويداء والساعة التي قدمها في الساحل لأهالي القتلى تعبر تعبيراً صادقاً عن تقديره الحقيقي للقتلى وذويهم؟ من دمر وطناً وشرد شعباً لن يأبه بمشاعر أهالي قتلاه بالتأكيد. ولو عرفتم معاناة الجرحى والمعوقين الذين سقطوا في حرب الأسد ولا يجدون ليرة سورية واحدة أو حبة أسبرين لمداواة جراحهم لترحمتم ربما على وضع أهالي القتلى في السويداء الذين حصلوا على عنزة.
عشرات الألوف من الجنود الذين فقدوا بعض أعضائهم في حرب الأسد تحولوا إلى شحاذين حتى في اللاذقية وطرطوس، وقد شاهد الأهالي والد هذا الشهيد أو ذاك وهو يبحث عن شيء يسد رمقه في حاويات الزبالة. إياكم أن تظنوا أن أهالي الساحل ينعمون بالخيرات. لا أبداً، فهم يبكون ضحاياهم ليل نهار بصمت دون أن يجدوا حتى لقمة الخبز أو حبة الدواء، بينما بشار الأسد ورامي مخلوف وشاليش يكنزون المليارات في بنما وأوروبا.
أيها السوريون الذين يحتقر بشار الأسد شهداءكم وتضحياتكم لاحظوا الفرق بين رئيسكم وبين الرئيس التركي أردوغان، فبينما أمر أردوغان بتعويض ثمانين ألف دولار لكل شهيد سقط في محاولة الانقلاب الفاشلة مع راتب شهري قدره خمسة آلاف دولار، تمادى بشار الأسد في احتقاره لشهدائه مؤخراً، فبعد أن كان يعوضهم بساعة حائط، بدأ الآن يعوضهم بعلبة بسكويت. هل هو فعلاً شهيد في عُرف الأسد، أم فطيس رخيص؟
(المصدر: القدس العربي 2016-08-13)