هدنة جديدة .. هل تبشر بحل حقا؟
ندما نتحدث عن هدنة تم الاتفاق عليها بين كيري ولافروف، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل إن مصير الوضع في سوريا هو بيد موسكو وواشنطن حتى تتمكنا من فرض هدنة، ومن ثم حل سياسي بعدها؟ الجواب الواقعي هو (لا)، فلا الروس هم اللاعب الوحيد الذي يمسك بالوضع في سوريا، ويتحدث باسم النظام، ولا أمريكا تمثل الطرف الآخر، فضلا عن أن تكون فاعلة في الميدان السياسي والعسكري السوري، بحث تفرض على الثورة ومؤيديها ما تريد. ولكن لماذا وافقت كل الأطراف الفاعلة في المعادلة على الهدنة، حتى دون معرفة تفاصيل الاتفاق؟ سؤال طبيعي سيطرح ردا على الكلام آنف الذكر؟ السبب ببساطة هو أن جميع الفرقاء قد أصابهم الإنهاك، ويكذب من يدعي غير ذلك، فضلا عن أن يكون قادرا على إنجاز الحسم العسكري. لذلك، ذهب الجميع باتجاه التعويل على الهدنة، ليس بحثا عن استراحة محارب وحسب، بل وأملا في أن يكون هناك مسار ما يفضي إلى تسوية مرضية، ولو في الحد الأدنى. الحديث عن قوة النظام محض هراء، فهو يجلس فوق بلد مدمّر لا يسيطر على نصف ترابه، وحكاية «سوريا المفيدة»، تصلح لبث الأمل والصبر، ولكنها لا تصلح لمسيرة دولة. أما إيران، فقد بلغ منها النزيف مبلغا، وأنين الشارع وصراعات الداخل أكبر من أن تخفيها صرخات المحافظين ضد السعودية والوهابية، فضلا عن تكون موجهة ضد الاستكبار الذي يقاتل رجالها في ظل طيرانه في العراق، فيما يقاتل ذات الاستكبار عدوها «الألد»، في سوريا أيضا، وهو ذاته من قتل «العدناني»، وليس سليماني ولا طيران بوتين. الروس ليسوا أفضل حالا، فهم يدركون أن أمريكا، ومهما قالت ليست معنية بحل سريع، وهي تستمتع بتورطهم الطويل، ولا تسأل بعد ذلك عن غزل العرب مع بوتين وهو يدرك أن كسبهم ليس هامشيا، وربما كان بمنطق القوة والنفوذ أفضل من كسب إيران ذاتها. الثوار بدورهم في وضع صعب، فالعالم يقول لهم إن جبهة النصرة «فتح الشام»، إرهابية ويجب أن يتخلوا عنها، بينما هي الأقوى على الأرض، وهم بدورهم يواجهون سياسة الأرض المحروقة من الجو. صحيح أنهم صامدون ويتقدمون أحيانا، وتبدو هزيمتهم مستحيلة، إلا أن قدرتهم على الحسم العسكري تبدو مستحيلة أيضا في ظل ميزان القوى الراهن. ينطبق الوضع على داعميهم. فتركيا في وضع صعب بعد الانقلاب، وإن كان أردوغان أقوى بعد أن أصبحت المؤسسة العسكرية أكثر انسجاما معه، وهم يواجهون طموحات الأكراد (يلتقون في ذلك مع إيران)، واستحقاقات العلاقة الجديدة مع الروس، فضلا عن الاشتراطات الأمريكية. أما السعودية فهي في وضع صعب في اليمن، وإن كانت مع حلفائها الأقوى هناك. هل تؤدي معادلة الإنهاك الجمعي هذه إلى تسوية؟ لا يمكن استبعاد ذلك في المدى المتوسط (لا وجود لحل سريع ولو توفرت النوايا بسبب زحمة الشياطين في التفاصيل)، لكن ذلك لن يتم من دون تفاهم تركي إيراني سعودي بالدرجة الأولى، وهو وحده الذي يمكنه تسهيل التوصل لتسوية، وما لم يحدث ذلك، فإن النزيف سيطول. هل تتوفر في طهران مؤشرات عقلانية؟ يصعب الجزم، لأن إخفاء الأزمة جزء من إدارة الصراع، وإن أدرك الجميع الحقيقة، لا سيما أن البلد على مشارف انتخابات رئاسية بعد شهور. وحتى تأتي التسوية الموعودة، سيظل السوريون يدفعون الثمن الباهظ، ويصبّون لعناتهم على النظام القاتل، وداعميه، وبخاصة أولئك القوم في طهران ممن يوزعون الهذيان ضد الاستبكار و»الوهابية»؛ ونصرة للحسين!!.
2016-09-18