اتفاق جنيف «يترنّح».. هذا ما أرادته واشنطن !
لن يتوقف السجال الساخن بل العنيف وغير المسبوق المندلع الان بين واشنطن وموسكو, على خلفية المجزرة التي ارتكبها سلاح الجو الاميركي في مدينة دير الزور السورية, بحق وحدات من الجيش العربي السوري كانت مشتبكة في عنف ومنذ ساعات طوال مع ارهابيي داعش، فجاء الاميركيون كي يُمكّنوا داعش من السيطرة على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة الاستراتيجي، ما اسفر ايضا عن سقوط عشرات من الشهداء والجرحى (بالمناسبة استعاد الجيش السوري, هذا الموقع الاستراتيجي وطرد داعش منه.. يوم امس).
الزعم الاميركي بان «الغارات» كانت خطأ غير مقصود، لا يصمد امام الحقائق الميدانية التي كشفتها وقائع يوم السبت الاسود, ليس فقط في ان طائرات الاستطلاع الاميركية قادرة على تحديد مواقع الطرفين (داعش والجيش السوري) بوضوح وجلاء وانما ايضا لان الاميركيين كانوا اعلموا الجانب الروسي ان «لا» عمليات لهم في منطقة دير الزور، ما يزيد الاعتقاد بان «الخطأ» الاميركي المزعوم كان مقصوداً بذاته ولذاته, وان له اهدافا سياسية تتجاوز مجرد الانتقام من الجيش السوري وايقاع المزيد من الخسائر في صفوفه, فضلا عن تمكين داعش من السيطرة على هذا الموقع الاستراتيجي, هذه الجريمة التي ترقى الى درجة التواطؤ.
الهدف السياسي الاول الذي وضعه الاميركيون نصب أعينهم, هو اسقاط او تجميد او طي صفحة اتفاق جنيف الذي وقعه لافروف وكيري في التاسع من الشهر الجاري، والذي رفضت واشنطن بعناد وبذرائع متهافتة المضي قدما في تطبيقه, وحالت دون مجلس الامن واستصدار قرار منه يجعل من الاتفاق وثيقة دولية ومرجعية لحل الازمة السورية والبناء عليه كي تستيعد العملية السياسية زخمها، ولم تُجّدِ كل المحاولات الرامية الى «نشر» وثائق الاتفاق تحت ستار ان واشنطن لا تريد كشف امور «حسّاسة» يمكن ان تستفيد منها اطراف اخرى، ناهيك عن عدم اقتناع احد بهذا التبرير المُزيَّف حتى أن اقرب حلفائها, شكّْكوا في التفسيرات والتبريرات الاميركية غير المُبرّرة وغير المقبولة.
ليس ثمة شك في ان التراشُقات الإعلامية والاتهامات المتبادلة التي دارت بين المندوبة الاميركية في الامم المتحدة سمانثا باور وفيتالي تشوركين المندوب الروسي لدى المنظمة الدولية قد كشفت، ضمن امور اخرى، حجم الهُوّة التي باتت تفصل بين موقفي موسكو وواشنطن والاحتمالات المفتوحة لانهيار اتفاق جنيف، وبخاصة ان ادارة اوباما لم تُغادر – حتى الان – مربع المروغة عبر رفضها تطبيق الاتفاق, وقيامها بطرح شروط يصعب قبولها ميدانيا, فضلا عن كونها محاولة واضحة للتغطية على عجزها «اقناع» المجموعات المسلحة التي تدعي انها معتدلة، كي تفك ارتباطها بجبهة النصرة (فتح الشام حاليا) وان تلتزم وقف اطلاق النار وعدم المسارعة الى خرقها او رفضها الانسحاب من محيط طريق الكاستيلو، كمقدمة لادخال المساعدات الى شرق مدينة حلب.
أن تُصنِّف سمانثا باور طلب موسكو انعقاد مجلس الامن لبحث المجزرة الاميركية بحق الجيش السوري بالعمل «المنافق», وأن تتوصل الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الى استنتاج «مرعب» بان البيت الابيض يدافع عن تنظيم داعش, بعد ان كانت قالت في التصريح ذاته: اذا كانت لدينا في وقت سابق شكوك بأنهم (تقصد الاميركيين) يتسترون على جبهة النصرة,فإن ذلك يعني ان الامور بين الطرفين الاكثر تأثيرا في الساحة السورية, توشك الخروج على نطاق السيطرة, وبما قد ينتهي بانقطاع الاتصالات بينهما وخصوصا بين لافروف وكيري,الأمر الذي قد يترك اثاره على الجبهات السورية وخصوصا بعد ان باتت ادارة اوباما تتحدث علنا عن ارسال قوات اميركية «خاصة» لمساعدة الجيش الاميركي في عملية «درع الفرات» التي هي عملية احتلال عثماني أطلسي موصوفة للاراضي السورية,حتى وإن تذرَّعت بمحاربة داعش (على الطريقة الاميركية التركية بالطبع) فكيف يدخل الغزاة الاتراك لمساعدة «الجيش السوري الحر» ثم يأتي الغزاة الاميركيون «ليساعدوا» مَنْ جاء للمساعدة؟.
ثمة ما يثير الاستغراب بل الغضب من الاتهامات الاميركية لموسكو بانها تقف مع الانظمة المستبدة،»عندما تقوم باستخدام الفيتو لمنع ادانته» (تقصد النظام السوري على ما قالت المندوبة الاميركية) فيما تتناسى هذه السيدة التي كانت ذات يوم ناشطة في الدفاع عن حقوق الانسان في العالم ان بلادها هي الاولى في تاريخ مجلس الامن التي استخدمت الفيتو لمنع ادانة مرعيتها...
إسرائيل,وهي الاولى في العالم التي ارتكبت جرائم الحرب وقصفت الابرياء بالاسلحة النووية ودبرت الانقلابات وجاءت بأسوأ الانظمة استبدادا وفسادا وارتكابا للجرائم ضد الانسانية, عندما ابادت شرائح من شعوبها وانتهكت سيادات الدول المجاورة وغير المجاورة ,ودعمت»بلا قيود وبلا اي حِس قانوني أو أخلاقي» دولة الاحتلال الصهيوني وتعهدت علنا بالحفاظ على امنها ووضمان تفوقها»عسكرياً على «كل» الدول العربية, ولم تخجل عندما وقعت ادارتها الحالية «معاهدة» مع الدولة العنصرية الصهيونية, المسلحة نووياً على ما كشف كولن باول (وما ادراك ما كولن باول) عن عدد الرؤوس النووية التي تملكها اسرائيل, بأكثر من 38 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق كل ما «انفقته» واشنطن في حربها الاجرامية على الشعب الفيتنامي؟.
(المصدر: الرأي 2016-09-19)