امتيازنا الآدمي!
الناس يشكون من العطلة اذا كانت قصيرة، لكنهم يتبرمون منها اذا طالت، وهم في الصيف ينتظرون الشتاء وقد يدبجون المدائح للثلج لكن ما ان يهلّ الشتاء حتى يبدأ البكاء على اطلال الصيف، وهذه ليست ادانة للبشر، بل هي مديح لهم ولما يملكون من خيال ورغبة في التغيير، ولولا ذلك ما كان هناك حضارات وثقافات على هذا الكوكب . هناك فلاسفة منهم من قال ان الضجر الانساني له الفضل في منجزات عمرانية تشبه المعجزات، وهذا الفيلسوف هو سورين كيركيغارد الذي لم يدافع فقط عن حق الانسان في الضّجر، بل فسخ خطوبته من امرأة عشقها اسمها روجينا كي لا تصاب بعدوى فلسفته وبالتالي تعيش حياتها باستغراق. وما يغيب عنا احيانا هو ان الحياة تصبح عطلة بلا نهاية اذا اقتصر فهمنا للعمل على انه نشاط جسدي فقط، لأن هناك من لا يتحركون من مقاعدهم لكنهم يكدحون على مدار اللحظة، مقابل آخرين عاطلون عن الحياة وليس عن العمل فقط ! وحبذا لو تبادر صحف او فضائيات للكشف عن الاساليب التي يقضي فيها الناس ايام عطلاتهم، وماذا يفعلون في نهارات طويلة وليل طالما كان موضوع شكوى وهجاء من اسلافنا الشعراء منذ امرىء القيس ! ان العطلة خصوصا اذا طالت تفتضح الكيفية التي نمارس فيها حياتنا وتعيد ترتيب الاولويات، لكن اعجب ما سمعته من بعض الناس هو ان فضيلة العطلة هي النوم لأنهم يعانون من مديونيات في هذا المجال . ان ما يبدو عيبا فينا كبشر قد يكون له وجه آخر هو امتيازنا الادمي، لأننا نملك خيالا يجعلنا نموت قبل ان تأزف لحظة الموت، وان نحلم دائما بالشاطىء الاخر، فالتأقلم التام مع الواقع هو اول الاستنقاع ولن ينتظر منه سوى ما يطفو على السطح من طحالب.
(المصدر: الدستور 2016-09-19)