يوم الانتخاب.. يوم الضمير
بوسعك أن تتفهم عدم ذهاب البعض إلى صناديق الاقتراع ، فالمقاطعة كما المشاركة موقف سياسي، وفي كل انتخابات في الدنيا، هناك من يشارك وهناك من يقاطع؛ إن على صعيد الأفراد، أم التجمعات السياسية، وفي العموم لا زالت فكرة الديمقراطية العادلة تستحوذ على اهتمام كثيرين في هذا العالم، سواءً كان الأمر متعلقا بالجدل حول قوانين الانتخابات وقدرتها على إفراز عدالة في التمثيل، أم بالمال السياسي ودوره، وكذا اللوبيات، أم بفكرة الديمقراطية من أصلها، كفكرة تعني التنافس على هوامش القرار، وليس أبعاده الاستراتيجية التي تحددها الدولة العميقة، حتى في أمريكا وأوروبا، ولا يمكن للفائزين عبر الصناديق أن يتحكموا بها، لكن ذلك شيء، وذهاب البعض إلى الصناديق وانتخاب أناس لاعتبارات لا صلة لها بالحق والعدل والمصالح العليا شيء آخر. نتحدث بمناسبة الانتخابات هذا اليوم، وحيث يذهب الناس إلى الصناديق لانتخاب ممثلين لهم في البرلمان، بينما تابعنا طوال أسابيع ماراثونا من المهرجانات واليافطات والإعلانات للمرشحين، وكان بعضها للأمانة مثار تندر للناس وتسلية، وبعضها مثار جدل ونقاش، فيما استفادت من الحملة بعض القطاعات العاملة في ميادين الإعلان وصناعتها. يحتاج الذاهبون إلى صناديق الاقتراع اليوم إلى قدر من تحكيم الضمير، إذ لا ولاية لأحد على الإنسان في هذه الحالة سوى ضميره؛ هو الذي ينتخب بشكل سري، ولا أحد يعلم بما سيكتب سوى الله عز وجل، إذا لم يقصد هو بنفسه أن يعلم بالأمر آخرون. غالبا ما تشكو الشعوب حكامها ومسؤوليها، لكن الجزء المتعلق بالمسؤولية الذاتية عما يجري غالبا ما يغيب على نحو لافت، ومع أننا لا نرى أن هذه الانتخابات “ستخرج الزير من البير”، كما يقول المثل الشعبي، إلا أنها تمثل نموذجا لقدرة المرء على تحكيم ضميره، والنأي بنفسه ما أمكن عن منظومة أهوائه ومصالحه الخاصة لحساب المصلحة العامة، وهو ما قد ينسحب على مواقف أخرى، ينحاز فيها الإنسان للحق والعدل، أو يفعل العكس. من يذهب إلى صندوق الاقتراع لمصلحة مادية مباشرة هو الأسوأ على الإطلاق، فهذا باع ضميره عمليا، لكنه ليس النموذج السيء الوحيد، وإن كان الأسوأ، فهناك من يذهب لاعتبارات أخرى لا صلة لها بالمصلحة العليا، وهي كثيرة ومعروفة، ولا حاجة لتكرارها هنا. لقد رأينا خلال الحملة الانتخابية أن أصحاب المال مثلا قد تسيّدوا المشهد، مع أن هؤلاء ليسوا سواءً بكل تأكيد، لكن جرأة كثيرين على ترشيح أنفسهم، فقط لثقتهم بالقدرة على الصرف على الحملة الانتخابية، ومن ثمّ تحمّل كلفة الوجاهة بعد الترشح، يعني تشوّها في الحالة السياسية، وفي الفهم العام لفكرة البرلمان، فضلا عن أن يكون المعني ممن ذهبوا في الأصل لحماية مصالحهم، وليس فقط للوجاهة الاجتماعية. لم أجد في هذه المناسبة غير هذا الحديث، والسبب أنه يشمل ما هو أبعد من البرلمان والانتخابات التي قد لا تغير الكثير. إنه يشمل فكرة الضمير الإنساني والديني، من حيث اتخاذ المواقف الصائبة في كل القضايا السياسية وغير السياسية، بأبعادها المحلية والعربية والإسلامية، فمن يقف مع طاغية يقتل شعبه، أو دولة تستهدف أمته لا يستحق غير الازدراء، وكذلك من تلبسوا بالفساد، وكل من عُرفوا بمواقف تخالف الضمير الجمعي لشعبهم وأمتهم.
(المصدر: الدستور 2016-09-20)