لبنان: الجنرال «فراغ».. أم الجنرال «عون»؟
في خِضم المعارك العسكرية والسياسية وخصوصاً الدبلوماسية المحتدمة في المنطقة وعبر المحيطات, وفي ظل التحركات والاعتراضات وغياب التوافقات التي تُميز ردود الفعل على العواصف العاتية التي بدأت تترك اثارها المدمرة على العلاقات العربية العربية المنهارة او المتصدعة وغير القابلة للترميم اصلا، وفي اجواء انتظار معظم عواصم المنطقة في ما سيؤول اليه «الكِباش» المتصاعد بين بغداد وانقرة على خلفية المشروع العثماني الجديد الذي بدأ رأسه يُطِل بصلافة مُعلَنة، تتكئ على تحريض وشحن مذهبي سافر، لا يتردد اصحابه في تجميل قباحاته بهدف استمالة المزيد من الذين بنوا مستقبلهم السياسي والشخصي على راية التحريض المذهبي والطائفي, والاحتماء بدول الاقليم غير العربي, على خيار الانضمام الى الدائرة الوطنية الجامعة والمحافظة على الاوطان ومنع تقسيمها وتحصينها ضد مشاريع الهيمنة والإستتباع والإلحاق, على النحو الذي يبرز في المشروع العثماني تجاه العراق وخصوصا في شأن مستقبل مدينة الموصل وما حولها، فضلا عمّا يُبيته احفاد المُستعمِرين العثمانيين من مشروعات تفتيتية لسوريا وبخاصة شمالها.
نقول: في اطار ذلك كله, تبدو الاوضاع في لبنان سائرة نحو الصِدام المباشر وغير الممكن التكهن بمآلاته، حتى في ظل انتظار «الطبقة» السياسية المُمسكة برقاب اللبنانيين والمُرتهِنة اياهم لمصالحها الحزبية والطائفية والمذهبية الضيِّقة, وارتباطاتهم الخارجية التي تعمَّقت كثيرا, ما جعل «الخارج» بعواصمه واجهزة استخباراته وسفاراته, هو المُقرِّر في الشأن اللبناني، على نحو تسمعه مباشرة من هؤلاء «الساسة» الذين يقولون بلا حرج: إن الاستحقاق «الرئاسي» هو قرار اقليمي ودولي، واذ هو لم ينضج بعد.. فان علينا الانتظار!!. هكذا ببساطة, حتى يخال المرء ان ما يسمعه وما يراه, هو من «سياسي اجنبي» وليس من وطني لبناني, ايَّاً كان انتماؤه السياسي او مرجعيته الطائفية أوالمذهبية.
الطبقة السياسية اللبنانية بكاملها, في انتظار ما سيقوله رئيس تيار المستقبل والوريث الحصري للحريرية السياسية (إيَّاها) سعد الحريري، بعد ان انتهت جولته واستشاراته السياسية والدبلوماسية في الداخل اللبناني وخارجه، حيث رَشَحَ (وإن لم يتأكد منه احد بعد) انه في صدد الإقدام على «استدارة» تاريخية وغير مسبوقة, مُجازِفاً (ربما اذا ما واصلها) بخسارة وفقدان الكثير من حلفائه وداعميه في الداخل وبخاصة في الخارج الاقليمي, الذين لن يغفروا له «خِذلانهم» عبر ترشيح الجنرال ميشال عون، حليف حزب الله وسوريا وايران,على ما يَتهِمه خصومه في اليمين الانعزالي المسيحي, واولئك المنضوين تحت راية تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري نفسه, والذي يجد صعوبة في «تسويق» استدارته «المأمولة» والتي طالت, بذريعة ان رئيس الحكومة الاسبق الذي يسعى بلا نتيجة حتى الان كي يضم مستقبله السياسي المُهدَّد بالاندثار، بعد ان فقد – او يكاد – ثروته واستثماراته وبات الافلاس وشبح فقدان البريق الذي لازمه بفضل ثروته التي ورثها عن والده، يطاردانه صباح مساء, في تنقلاته وفي سلسلة المفاجآت والاسرار التي يكشفها خصومه بالوثائق والارقام.
منصب الرئاسة في لبنان، شاغر منذ سنتين وخمسة اشهر ، ولم تنجح جلسات مجلس النواب المُعطّل اصلا, والتي وصل عددها الى 45 جلسة في تأمين نصاب الثلثين اللازم لانتخاب رئيس، ما اسهم في توتير الاجواء وعودة الجميع تقريبا الى التمترس في «خنادقهم» السابقة, الطائفية والمذهبية على وجه الخصوص, الامر الذي انعكس في دخول بكركي (مقر الكنيسة المارونية التي كانت نافذة ذات يوم ,لكنها لم تفقد كل تأثيرها حتى الان)، وفتح الكاردينال بشارة الراعي «مدفعيته» الناقدة واللاذعة على رئيس مجلس النواب نبيه بري, كون الاخير, وقد استشعر ان الحريري قد (نقول قد) يُقدِم على ترشيح الجنرال عون متخلياً بذلك عن مرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية حيث الاخير يحظى بدعم الثلاثي جنبلاط، الحريري، وبري، فقد اشترط (بريّ) ان يتم الاتفاق على «سلّة» متكاملة مع اي رئيس قادم، قبل انعقاد مجلس النواب لانتخابه، ما ادى لانفعال الكاردينال الذي رأى في ذلك «تربيط» الرئيس الماروني وتفريغ المنصب الرئاسي من صلاحياته الدستورية, مُعتبِرا ذلك مثابة «مَسّ» بالطائفة المارونية بأسرها وخرقاً «للميثاقية».
تراجَع بريّ او صُدِم نتيجة لهذه الهجمة التي كشفت انه اقدم على خطوة غير محسوبة وهو المعروف بحساباته الدقيقة, وأنَّ دعسته «الناقصة»..هذه, قد عادت عليه بالخسارة, فلجأ الى استرضاء «بكركي» وقال إنه سيصمت و»يُراقب», بعد ان ادلى بما رآه مسألة ميثاقية صِرفة.
في السطر الأخير... الحريري صامت حتى الان, وبعد غد هو (13 تشرين) الذي يُشكِّل بالنسبة للجنرال عون وانصاره, مفترق طرق «تاريخي» في سعيهم»الأول» للوصول الى قصر بعبدا منذ اواخر ثمانينيات القرن الماضي, وصِدامهم الشهير مع القوات السورية في لبنان, والذي انتهى الى «نفي» الجنرال, وهو يُهدِّد»الآن» بالصعود وانصاره, الى قصر بعبدا والقيام بعصيان مدني, وصولا الى تغيير قواعد اللعبة «الرديئة» التي ما تزال تحكم لبنان منذ أربعينيات القرن الماضي.. حتى الآن.
هل يُقدِم الحريري على استدارته؟ وهل يُحقِّق الجنرال عون حلم حياته في الجلوس على كرسي الرئاسة (مُنْتَخَباً.. هذه المرة) أم أنه سيقع في احبولة اكاذيب ومؤامرات حليفه الجديد سمير جعجع, الذي يُواصل وضع حزب الله تحت قصف تصريحاته وغمزاته؟
أم أن الجنرال «فراغ» سيواصل الجلوس في القصر الرئاسي اللبناني؟
الأيام القريبة.. ستقول.
(الرأي 2016-10-11)