الأردن والتجربة المغربية
أسفرت الانتخابات النيابية المغربية الأخيرة عن فوز نسبي للإسلاميين؛ حزب العدالة والتنمية، الذي أدار الحكومة خلال الخمسة أعوام الأخيرة، ضمن ائتلاف مع قوى يسارية. لكن النجاح الحقيقي ليس للإسلاميين وحدهم، بل هو للجميع؛ الدولة والأحزاب والإسلاميين، وللمسار الديمقراطي الذي يوازن بين عاملي التغيير والإصلاح من جهة، والاستقرار السياسي والمجتمعي من جهة ثانية.
التجربة المغربية أثبتت أنّه بالإمكان المضي بإصلاحات دستورية وسياسية شاملة خارج نسق المخاوف والهواجس التي يفبركها تيار من المحافظين، الذين يصوّرون أي عملية تحوّل ديمقراطي وكأنّها "قفزة في المجهول".
كما أنّ التجربة أثبتت -الى الآن- أنّ الشراكة السياسية مع الإسلاميين أمر ممكن، بل قد يكون ضرورياً في المرحلة الانتقالية الحالية، بوصفهم أحد أبرز الألوان السياسية، والمعارضة الكبرى، وممثلي شريحة اجتماعية عريضة، وقد تمكّنوا بالفعل من انتشال الحالة المغربية من "الحلقة المفرغة" وساهموا في تحمّل المسؤولية مع الحكم، وأخذوا على عاتقهم قرارات اقتصادية صعبة وقاسية، كما ضمنوا الحريات الفردية والعامة، وانحازوا إلى خيار الوسطية والتنوير داخل مدارس الفكر الإسلامي، ما ساعد النظام على حصار "السلفية الجهادية"، بالرغم من الظروف الاقتصادية القاسية هناك.
الإرادة السياسية لدى "مطبخ القرار" المغربي لعبت دوراً مهماً وحيوياً في إدماج الإسلاميين، وفي تكريس مبدأ تداول السلطة، وفي الانفتاح السياسي، ما خلق مناخاً سياسياً جديداً، ونأى بـ"المخزن" (العرش المغربي) عن الصراعات والخلافات السياسية وعن الانتقادات الشعبية، فأصبحت الكرة في ملعب القوى السياسية نفسها وبينها وبين الجمهور.
النجاح، أيضاً، ارتبط بمفهوم الشراكة السياسية بين الأطراف المختلفة. فالإسلاميون تحالفوا مع اليساريين، وشكلوا حكومة ائتلافية، كما هي الحال في تونس. وأثبتت تجارب "الربيع العربي" إلى الآن أنّ كلمة السرّ في تجاوز المنعرجات وعبور "حقول الألغام" تتمثل في "التفاهمات" الوطنية، وفي الائتلافات وعدم انفراد طرف بمحاولة قيادة تلك المرحلة، أو الاستئثار بموارد السلطة والقوة.
ثمة شروط مهمة وروافع متينة لمثل هذه التجربة، تتمثل في وجود نظام حكم يؤمن بالإصلاح المتدرج، وتنظيم الحقل الديني، كما حدث هناك؛ وبقيادة أمنية لديها خبرة وذكاء في التعامل مع التحديات الوطنية. إذ عمل عبداللطيف الحموشي (مدير إدارة التراب الوطني في المغرب) على أنسنة التعامل مع المتطرفين، وعلى تقديم مقاربات عصرية تلتزم بالقوانين وبحقوق الإنسان في هذا المجال.
بالضرورة، ثمة حزب إسلامي، على الطرف المقابل، مثّل حالة متقدمة في مشهد الإسلام السياسي عموماً، فحزب العدالة والتنمية أعلن مبكراً إيمانه بالفصل بين الدعوي والسياسي، واتسم سلوكه بدرجة عالية جداً من البراغماتية، وتحول إلى حزب برامجي محترف، يمتلك رؤى اقتصادية وسياسية عملية، وتجاوز كثيراً التعقيدات التي علقت بها الأحزاب الإسلامية في المشرق العربي، التي لم تحسم إلى الآن العلاقة بين الدعوي والسياسي، ولم تخرج من نرجسية التنظيم، ولم تتحول إلى أحزاب برامجية حقيقية، ولم تصل إلى مرحلة الاعتماد على برامجها، لا أيديولوجيتها التعبوية التحشيدية العاطفية، في جذب الجماهير والناخبين.
على الأغلب، سيكون "رد" مسؤولين أردنيين على هذا المقال بأنّ التجربة الأردنية شبيهة. وبعضهم يرى أنّها أفضل من المغربية، في التحول الديمقراطي. وهذا الكلام غير دقيق تماماً؛ فبالرغم من التعديلات الدستورية ومن الانتخابات البرلمانية ومن الإصلاحات التي حدثت منذ مرحلة "الربيع العربي"، فإنّ "نوايا" الدولة ليست واضحة بعد؛ فنحن نقدم مؤشرات على خطوات باتجاه الإصلاح، وفي الوقت نفسه مؤشرات مناقضة على خطوات بالاتجاه الآخر. فلا بد أن تحسم الدولة رؤيتها ورسالتها وتكون واضحة فيما تريد أن تحققه. ما يزال الغموض هو الذي يحكم المشهد!
(الغد 2016-10-12)