ضجة تعديل المناهج وما وراءها !
عدت إلى شهادتي (التوجيهي) فوجدت عليها توقيع وزير التربية والتعليم آنذاك ذوقان الهنداوي .
تذكرت مدير مدرسة الزرقاء الثانوية بركات الطراونة واقفا وبيده العصا، بجانب شجرات على باب المدرسة الداخلي متربصا بالطلبة الذين يأتون إلى المدرسة متأخرين بعد الطابور الصباحي.
عدت بذاكرتي أكثر الى مدرسة الوكالة الإعدادية حيث كان عقاب مَنْ «لا يحفظ الدرس أو يكتب الواجب» الضربَ بالعصا او الصفعَ على الوجه، ومن أرحم العقوبات الأمر بالوقوف على قدم واحدة في زاوية الصف بجانب سلة المهملات .
ذاك جانب من الصورة؛ لكن الجانب الآخر كان: تقدير الطالب الملتزم بوقت الدوام، احترام المجتهد بلائحة شرف لأسماء الخمسة الأوائل بالصف كانت تُعلّق أمام ادارة المدرسة وفي ممراتها ليراها الجميع، والأهم تخريج جيل متفوق أكاديميا وعلميا واخلاقيًا، والحفاظ على هيبة المعلم وبالتالي تقديس التعلّم وتحقيق هدف التربية التي تأتي اهميتها قبل التعليم .
تذكرت كل هذا وانا استمع لوزير التربية والتعليم محمد الذنيبات الذي دعا قادة الإعلام لجلسة حوار في الوزارة بحضور وزير الإعلام الذكي المتألق محمد المومني حول تعديل المناهج . رأيت في الذنيبات كل اساتذتي الذين علمونا الأخلاق قبل التربية والتربية قبل التعليم، والتعليم حق وواجب في الوقت نفسه، وأن المدرسة مصنع بناء الرجال قبل أن تكون مهد العلم .
فهو الذي أوقف مهزلة الترفيع التلقائي للمرحلة الابتدائية، وهو الذي أعلن صراحة عن عدد الطلبة الأميين، والأهم هو الذي تصدى وتحدى وأعاد الهيبة لامتحان التوجيهي، فلم يعد النجاح «خاوة» والقاعات تهاجم من قبل عصابات الشبيحة والزعران، ولم يعد الغش طريقا للنجاح بل إلى ..المدعي العام والسجن .
كان الرجل يتحدث بحرقة الحريص على الوطن وعلى (لبناته) الطلبة وعلى الأجيال والمستقبل .يفند مزاعم من تبنوا الحملة على تعديل المناهج بندا بندا مدعما كلامه بالصوت والصورة ويرد على اتهامات من يدعون الحرص على الدين بآيات من القرآن الكريم وبالأحاديث النبوية الشريفة، مؤكدا ان الذين هاجموا التعديلات لم يقرأوا الكتب بل سمعوا عنها من خلال الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الاخرى، فمن قال ان آية حذفت من كتاب اتضح انها نقلت الى كتاب آخر، ومن قال ان سيرة الخليفة عمر بن الخطاب حذفت اتضح انه تم التوسع فيها في مبحث آخر .
اما ما قيل عن تغيير الأسماء فانني شخصيا اتحدى المنتقد ان ينكر ان الاسماء القديمة اصبح من النادر تسمية ابنائهم وبناتهم وحفيداتهم واحفادهم بها .انها سنة الحياة، دورة الزمن ومتطلبات العصر . العصر الذي يتبعونه باستخدام الموبايل من دون ان يفكروا باختراعه، والتلفزيون من دون ان يفكروا في تطويره، والسيارة من دون ان يصنعوا برغياً فيها . الذين فكروا واخترعوا وصنعوا هم من يسمونهم «الكفار»!
اليس اولى بمن اتخذ من تطوير المناهج لتواكب العصر التفكير بما هو اعمق واكثر نفعاً للاسلام والمسلمين ؟
للأمانة اشفقت على الرجل وهو يدافع بمرارة عن التعديل . طلبت الحديث وقلت له : معالي الوزير، لماذا تضعون انفسكم في قفص الاتهام وتدافعون كأنكم انتم المذنبون؟ سيدي، ارجو ان توقفوا الحوار والمؤتمرات الصحفية والدفاع عن اجراءاتكم فوراً. فإن في بلدنا من لا يريد الخير للبلد، ومن يريد ان يشعل الفتنة. الديمقراطية شيء والفوضى شيء آخر . لقد نجونا من فتنة «الخراب العربي» الذي سموه ربيعاً؛ لاننا فوتنا على المخربين فرصة العبث بالبلد بوعينا ووحدتنا وأخلاقنا التي تربينا عليها ..أخلاق الإسلام العظيم، والعروبة التي اختارها الله سبحانه ليكون منها خاتم الأنبياء والمرسلين .
(الدستور 2016-10-12)