ناصر... «صنع في فلسطين»
لن نستبق الأمور، ولا ندري على وجه الدقة، أيّ فرص يتمتع بها الرجل لاحتلال موقع الرجل الثاني في النظام السياسي الفلسطيني، لكن بمجرد طرح اسم ناصر القدوة لإشغال هذا الموقع، وبصرف النظر عن الجهة التي طرحته والأهداف الكامنة وراءها، فقد سرت في عروقنا بارقة أمل وتفاؤل، بعد أن كنا نتداول بخيارات تكاد تنحصر ما بين فرسان الأجهزة الأمنية ومتقاعديها من جهة أولى، وشخصيات شغلت مواقع أساسية في مؤسسة صنع القرار، فكانت جزءا من الفشل والتردي، وليس هناك سبب واحد للاعتقاد بأنها ستكون عامل استنهاض أو رافعة للنجاح من جهة ثانية.
ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وسفير فلسطين لدى الأمم لسنوات طوال، ووزير خارجية لبرهة من الوقت، رجل ذو خبرة ودراية واسعة في شؤون السياسة والدبلوماسية، يتمتع بعلاقات إقليمية ودولية واسعة، ويحتفظ بمواقف غير مطعون بالتزامها الوطني، عفيف اللسان ونظيف الكف، لم تطارده فضائح الأمن والمال والأجندات الخارجية و”اللعب على الحبال” ... وهو أكثر من غيره، يجسد المقولة التي ناقشناها ذات مقال في هذه الزاوية بالذات، عندما قلنا إننا نريد رئيساً “صنع في فلسطين”، وهذا ما أكده القدوة نفسه تعقيباً على طرح اسمه للتداول.
نقطة ضعف القدوة، ربما تكون نقطة قوته الأهم ... فالرجل الذي يوصف بأنه “غير مقاتل” ولا “متورط” في لعبة التكتلات والتحالفات والمحاور الداخلية، غير الساعي لحشد المحاسيب والتابعين، ربما يكون أضعف من كثيرين من الطامعين للسلطة والمتطلعين لكرسي الرئاسة، بيد أنه، وللأسباب المذكورة ذاتها، ربما يكون “القاسم المشترك” ورجل الوفاق والتوافق الوطنيين، سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار، أنه يحتفظ بعلاقات جيدة مع معظم اللاعبين، ولديه صداقات مع شخصيات وازنة في فتح والمنظمة والفصائل.
لا يعني ذلك، أن كل من جرى تداول اسمه كمرشح لاحتلال موقع “نائب الرئيس”، توطئة للرئاسة الأولى، غير جدير بهذا الموقع أو هذه المهمة ... ثمة نفر منهم يحتفظ بسجل وطني محترم، لكن أوفرهم حظاً و”تداولاً”، خصوصاً من المؤيدين إقليمياً أو إسرائيلياً، يعد ترشحه لهذا المنصب، إهانة للشعب الفلسطيني وتضحياته الجسام طوال ازيد من نصف قرن، في تاريخ حركته الوطنية المعاصرة.
مروان البرغوثي مرشح جدير بالثقة والاحترام، بيد أن بقاءه في السجن الإسرائيلي، يجعل من الصعب تقديمه لهذا الموقع ... صائب عريقات من موقعه كرجل ثان في منظمة التحرير منافس قوي، بيد أن “كبير المفاوضين” استنفد كل ما لديه، وبه ارتبطت مرحلة كاملة وفاشلة من “المفاوضات حياة”، ومن الصعب التفكير بقدرته على إدخال الفلسطينيين في مرحلة جديدة، وهو الذي ظل حاضراً بقوة، طوال المرحلة السابقة ... محمد اشتية، رجل قدير، ولديه سمعة طيبة، بيد أنه غير معروف على الساحتين الإقليمية والدولية ... بقية المرشحين، أو معظمهم على الأقل، حتى لا نظلم أحداً، لديهم ندوب كثيرة في سيرتهم الذاتية، تجعل من غير المفيد تقديمهم لشغل هذا الموقع.
النظام السياسي مريض، وهو بحاجة لثورة بيضاء، تعيده إلى نصابه وسكته، شرايين هذا النظام هي التي تحتاج إلى “قسطرة”، وقد آن أوان تفتيحها قبل أن يصاب النظام بالتجلط والانسداد ... وفي ظني أن أولى أولويات الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية، هي ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وتأمين انتقال سلس، بإرادة فلسطينية مستقلة، ومن دون تدخلات سياسية أمنية أو مالية خارجية، وحث الخطى لسد أية ثغرات، يمكن أن يتسلل منها الراغبون بوضع أيديهم على فلسطين، شعباً وقيادة وقضية، لاستخدامها ورقة في حروب المحاور والمذاهب والطوائف، أو لإدراجها في “البورصات العالمية” للمقايضة عليها، تارة للتخلص من الضغوط الدولية في ملفات حقوق الانسان، وأخرى لإرجاء لحظة المحاسبة والمساءلة في قضايا ذات مساس بالتطرف والإرهاب.
(الدستور 2016-10-12)