عن انتخابات المغرب ونتيجتها
تنهض الانتخابات البرلمانية المغربية كحالة لافتة في الفضاء العربي من حيث التنافس بين أحزاب حقيقية، وبأسماء ولافتات واضحة، كما تنهض نتيجتها أيضا كحالة لافتة أيضا في ظل المطاردة المحمومة لما يسمى الإسلام السياسي في عموم المنطقة.
في السياق الأول، يمكن القول إنه، ورغم أن الصلاحيات الأكبر لا تزال بيد الملك، إلا أن في الساحة أحزاب ولها أيديولوجيات وبرامج بهذا القدر أو ذاك. وهي وإن قبلت بالسقف المتاح في اللعبة السياسية، إلا أن لبعضها طموحات لرفعه بمرور الوقت، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، وكذلك حال الشارع الشعبي بشكل عام.
هناك بالطبع من لا يقتنعون بهذه اللعبة برمتها، ويريدون تغييرا جذريا في أساس النظام السياسي، وتتصدر هؤلاء حركة العدل والإحسان (الإسلامية)، وهي الأقوى من حيث القدرة على الحضور والحشد بين التيارات السياسية في البلاد.
وفي حين يوجّه هؤلاء النقد لتجربة العدالة والتنمية لما يرون أنها تكرّس الوضع الراهن، إلا أن عليهم أن يتذكروا في المقابل أنهم استفادوا من السياسة الراهنة، ومن وجود الحزب في المعادلة السياسية، وذلك بتجنب صدام مع السلطة لا يمكن استبعاده، وأقله عمليات مطاردة وتحجيم محموم كتلك التي نتابعها في أكثر من بلد عربي؛ من دون أن ننسى في المقابل أن العدالة والتنمية قد استفاد أيضا من وجود “العدل والإحسان”، إذ دفع السلطة إلى اختيار “الأنعم” إن جاز التعبير، وفي العموم، فإن أحدا لا ينبغي أن يتجاهل في ضوء المشهد برمته أن تعاطي النظام المغربي مع موجة الربيع العربي وما تلاها كان ذكيا إلى حد كبير. والخلاصة أن للحزب وقادته اجتهادهم في المسار الذي يختطونه، فيما يحق للآخرين أن يجربوا مسارهم أيضا، مع التذكير بأن السياسة متغيرة، ويجب أن تدرس بعناية في كل مرحلة تبعا لظروفها الموضوعية، بعيدا عن القوالب الجامدة.
أما الحديث عن نسبة الاقتراع المتدنية كدليل على عدم قناعة الناس باللعبة الراهنة، وانحيازهم إلى برنامج التغيير الجذري، كما ترى حركة العدل والإحسان وآخرون، فليس محسوما بالكامل، إذ أن هناك قطاعات معتبرة من الناس تميل إلى هذا الرأي، لكن آخرين يرون أن المتاح معقول إلى حد ما في ظل الحاجة للأمن والاستقرار في منطقة مضطربة، ونسبة 43 في المئة ليست سيئة إلى حد كبير، وإن كانت متدنية من دون شك (هناك من شكك في النسبة بالطبع).
ما من شك أن الانتخابات قد شهدت تدخلا واضحا لصالح حزب الأصالة الأقرب إلى المؤسسة الملكية، لكن ذلك لم يرق إلى المستوى الذي يمكن الحديث معه عن تزوير، وفي العموم بقيت الأوضاع على حالها السابق من حيث تقدم العدالة والتنمية في المدن الكبرى، مقابل تقدم “الأصالة” في الأرياف.
فيما يتعلق بنتيجة الحزب هنا (ثلث المقاعد تقريبا)، وقبلها في الانتخابات البلدية، وبزيادة 16 في المئة عن المرة الماضية، يمكن القول إنها تمثل فوزا معتبرا بعد ترؤس الحزب للحكومة في ظل أوضاع صعبة؛ في البلاد وفي المحيط، وهذا يعني أن النموذج الذي قدمه الحزب ورئيسه كان نموذجا طيبا وجاذبا لقطاعات معتبرة من الناس، وهو أمر يشهد به المراقبون المحايدون الذي تابعوا الجهد الكبير من قبل الحزب ووزرائه ونوابه ونزاهتهم وانحيازهم إلى هموم الناس، فضلا عن كوادره الذين تحركوا بين الناس بقوة وإيجابية تستحق التقدير، بما في ذلك تجربتهم الطيبة في البلديات أيضا. ولكل مجتهد نصيب.
(الدستور 2016-10-12)