النواب الجدد بين مطرقة الحكومة وسندان القدامى
يتعرض النواب الى استقطابات حادة، وهي استقطابات وظيفية، لها غرض محدد، وسينتهي الاستقطاب بعد انتهاء الحاجة اليه، وجبهة النواب الجدد، بالذات، تتعرض لغزوات سياسية من كل الاطراف المخضرمة والخبيرة، بالحياة السياسية داخل البرلمان.
نحن امام عدة استقطابات، الاول تقوم به الحكومة بشكل طبيعي، مثل اي حكومة، استعدادا للثقة، والاتصالات الحكومية، للتقارب مع النواب، القدامى والجدد، تجري ليل نهار، مباشرة، وعبر وسطاء، وبشكل فردي وجماعي، من اجل تشبيك علاقات سياسية، تؤدي الى الحصول على الثقة، وسط تقييمات حكومية مؤكدة تقول ان هناك ميلا لرفع سقف الخطاب الحاد ، خصوصا، في الدورة الاولى من جانب النواب، وتحديدا الجدد، الذين يريدون التخلص مسبقا، من السمعة غير الحسنة، التي لاحقت سابقيهم، ولان حبر برامجهم وتعهداتهم امام الذين انتخبوهم لم يجف بعد، والمؤكد هنا، اننا امام دورة ليست صعبة جدا، لكنها ايضا ليست مريحة تماما، ومطبخ الحكومة السياسي يدرك هذه الحقيقة، ويستعد لها منذ هذه الايام.
الاستقطاب الثاني يقوم به المرشحون لرئاسة مجلس النواب، بعضهم لديه خبرة سابقة في الرئاسة، وبعضهم جديد، والنواب القدامى بالذات يحاولون ان تبقى الرئاسة محصورة بين اسمين اثنين، يجري بينهما اليوم صراع كبير، وتؤكد الاشارات هنا، الى ان هناك تفاهمات بين بعض المرشحين، بحيث ينسحب بعضهم للاخر، شريطة ان يتم التكتل لاحقا، لصالح المرشح الذي تم الانسحاب له، اضافة الى وجود صفقات يجري الاعداد لها، لتحويل طموحات البعض على الرئاسة، نحو موقع النائب الاول، والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب، فلن نصل الى يوم انتخابات الرئاسة بهذا العدد من المرشحين، ونشهد هنا استقطابا حادا، على جبهة النواب الجدد، باعتبار ان القدامى يمتلكون مفاتيح التأثير والسيطرة، وادارة اللعبة داخل البرلمان، على اساس الاستفادة من وجود كتلة نيابية كبيرة تدخل البرلمان للمرّة الأولى، عبر التأثير عليها، او تضليل بعض مكوناتها، للوقوف مع هذا المرشح ضد ذاك، والملاحظ ان كل الاتصالات حتى الان، متحركة بطريقة، تثير قلق بعض المرشحين، الذين يواجهون قاعدة نيابية متحسسة ومتحركة وغامضة، تأبى ببساطة التبعية لبعض الاسماء؛ ما يعني اننا سنواجه ،لاحقا، ظاهرة التجييش لصالح هذا الاسم او ذاك.
الاستقطاب الثالث يرتبط بالثاني، ويترك اثرا على الاستقطاب الاول، ايضا، ويتعلق بتأسيس الكتل النيابية، وهي كتل يتم السعي لتشكيلها وتسجيلها بسرعة، ونلاحظ هنا، ان قدامى النواب، لخبراتهم التراكمية، لديهم القدرة على تشكيل الكتل بشكل افضل، من النواب الجدد، الذين قد يسعون لتشكيل كتل مستقلة تماما، او التوزع على الكتل النيابية، لكن المفارقة انهم سوف يكتشفون لاحقا، الدور الوظيفي لهذه الكتل، وهو دور يصب في بئر انتخابات الرئاسة، وفي توزيعات المكتب الدائم، وهي كتل لن تصمد طويلا، بل سينفرط عقد اغلبها، بنهايات الدورة الاولى للبرلمان، فهي كتل وظيفية ايضا، سوف تهتز بنيتها الداخلية، وتتصدع، بعد فترة قليلة، وسنشهد على الاغلب ميلا لتشكيل كتل جديدة في وقت متأخر، باستثناء كتلة الاصلاح، وكتلة اخرى ربما.
الاستقطاب الرابع يتعلق بمراكز قوى سياسية وقوى ذات نفوذ في البلد، وهذه القوى سوف تدخل على خط النواب، وتحديدا كتلة النواب الجدد التي تتجاوز الاربعة والسبعين نائبا، من اصل مئة وثلاثين نائبا هم كل النواب، فوق خيوطها الممتدة اساسا الى بعض النواب القدامى، والنواب الجدد لهم السيطرة من حيث العدد، لكن الخطر يتعلق بتشظية وجودهم، وتوزيعهم على الكتل، وتفريق تأثيرهم بوسائل مختلفة، ومراكز القوى السياسية، سوف تسعى لتأهيل كثيرين من هؤلاء ضمن خطوط معينة، ايضا، لضمان الاداء ضمن درجات محددة، وللتأثير على معركة الرئاسة، ولتأمين اجواء اقل صخبا ازاء الحكومة، وفي حالات اخرى، التسبب باجواء مزعجة للحكومة، خصوصا، ان هذه المراكز مختلفة في اتجاهاتها، وتعريفاتها، وقدراتها ومنسوب سلطتها، وتعارض مصالحها.
نحن اذن امام مشهد ليس سهلا، وفي الظلال، قواعد جماهيرية، تنتظر الخدمات وتتوقع منافع كثيرة، من النواب، اضافة الى ما يتعلق بالاداء العام، ازاء ملفات حساسة، يصح وصفها بملفات التأزيم، وبقية الملفات العادية، في ظل اوضاع اقتصادية صعبة، تتراجع معها قدرة النواب والحكومة على منح اي مكاسب لهؤلاء، وما يمكن قوله حصرا، اننا امام كتلة نيابية كبيرة، واقصد النواب الجدد، ستتم تشظيتها بوسائل مختلفة، واذابتها في عالم النواب القدامى، بحيث نكون امام ظاهرة تقول، إن مجلس النواب السابع عشر، يلد نفسه، مجددا في هذا المجلس، بحيث اننا في المحصلة، نعيد تدوير كل القصة.
(الدستور 2016-10-12)