لبنان: ماذا بعد .. «اليوم»؟
ليس ثمة مفاجآت مرتقبة اليوم, عندما يجتمع مجلس النواب اللبناني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية, بعد عامين ونصف من الشغور الرئاسي الذي بدأ في 25 أيّار 2014, واستمر بفضل «الاستثمارفي الشغور», الذي قام به عدد من الافرقاء اللبنانيين, من زعماء طوائف وتجار حروب وقادة محاور وزواريب وخصوصاً النخبة السياسية والحزبية في بلاد الأرز, ذات الارتباطات المُعَلَنة (دع عنك الخفية) بأذرعها الاقليمية والدولية، والتي ارادت ان تأخذ «ورقة» لبنان الى جانبها, كي تُعزِّز مواقعها في حروب المنطقة, المتمادية والمفتوحة والمرشحة لمزيد من التفتت والانهيارات، اللهّم إلا إذا حُسِمت «بعض» المعارك المحتدمة الآن, وخصوصا معركة حلب وتلك الجارية في الموصل، حيث من المؤكد ان مستقبل سوريا والعراق سيتحددان في ضوء نتائجهما.. بهذا الاتجاه او ذاك, بعد ان لم يعد بيد القوى المنخرطة في مؤامرتي تقسيم سوريا والعراق ورسم خرائط جديدة للمنطقة, المزيد من «الاوراق», إثر «احتراق» كل ما في ايديهم منها ، ناهيك عن تبدد ارصدتهم العسكرية والسياسية وخصوصا المالية, التي وفروها بكرم غير معهود، ظنّاً منهم ان حسم المعارك في بلاد الشام وارض السواد العراقي, لا تعدو كونها مسألة وقت ليس إلاّ، فاذا بهم يواجهون مقاومة شرسة وإرادة صلبة، قلبت كل المعادلات, وادت الى مشهد مغاير لأوهامهم, وهو ما نحن عليه الآن.
ما علينا..
سيدخل الجنرال ميشال عون القصر الرئاسي في بعبدا, بعد ان كان «طُرِدَ» منه قبل ازيد من ربع قرن (1990) «منفيّاً» الى باريس التي عاد منها في العام 2005، بعد ان ادّى اغتيال رفيق الحريري الى «مُعادلة» جديدة, انتصر فيها حلفاء اميركا بوش وكونداليزا رايس على باقي القوى اللبنانية (والسورية) التي وَضِعت في دائرة الإتهام, في اطار مخطط جهنمي كان استمرارا للاجتياح الاميركي للعراق (2003) الذي جاء بذريعة مفتعلة اسمها اسلحة الدمار الشامل, ورافعا شعار نشر الديمقراطية وبناء الدول في الشرق الاوسط (الديكتاتوري).
واذ بات مؤكدا ان «لا خطر» حقيقيا على فوز الجنرال في هذه «المعركة» التي سيخوضها خصومه، بـ(السلاح الابيض), اي انهم وقد تيّقنوا ان مرشحهم سليمان فرنجية، لم يعد حصان رهان رابح، بعد ان «مالت» لِعون غالبية الكتل البرلمانية الوازنة, مثل كتلة حزب الله وتيار الحريري (المستقبل) وغالبية نواب جنبلاط (اللقاء الديمقراطي) والقوات اللبنانية (جعجع) بالاضافة الى تياره (الوطني الحُرّ) فانهم, (خصومه وفي مقدمتهم فرنجية وداعمه الاساس رئيس مجلس النواب نبيه بريّ (13نائباً) اختاروا التصويت بورقة «بيضاء» الامر الذي سيُجنِّبهم «مرارة» اكتشاف ان فرنجية، الذي لا يمكن بأي حال من الاحوال مقارنته بسمير جعجع مجرم الحرب وصاحب الايادي الملطخة بدماء الابرياء، لم يحصل على عدد الاصوات التي نالها جعجع في جلسة نيسان 2014 كمرشح للرئاسة بلغت 48صوتاً، وقد أُعتُبِر خيار الورقة البيضاء, مثابة فرصة للنجاة من اختبار كهذا.
ماذا عن اليوم التالي؟
اقامة الجنرال في قصر بعبدا، لن تكون سهلة او مريحة، فالمشكلات في لبنان آخذة في التفاقم, معيشيا وسياسيا واجتماعيا وخصوصا اقتصاديا، ووجود رئيس لا يعني ان البلد قد بدأ طريقه للخروج من ازماته المتدحرجة.كذلك الخصومات والحرتقات السياسية والحزبية وبالذات الطائفية والمذهبية, لن تغادر الساحات والمنابر, وفي داخل مجلس النواب ذاته الذي قد يَخرُج من مرحلة التعطيل الطويلة التي عاشها, بعد ان لم يعد احد قادر على تأمين نصاب «الثلثين», بما هو شرط إنتخاب رئيس للجمهورية، اما وقد حُلّت هذه العقدة، فان الجميع يستعدون للتحضير للأزمة «المقبلة», والتي قد تأخذ شكلا اكثر خطورة من حكاية الفراغ الرئاسي, التي انشغل بها اللبنانيون واشغلوا الاقليم والعالم معهم , استمراراً للوهم الذي يسيطر على عقول نخبته, وهو ان لبنان مركز «الكَوْن» وان زعماء عواصم «القرار» لا ينامون, قبل الإطمئنان على بلاد الارز, وشعبها (..)عِلماً ان الاستحقاق الرئاسي طائفيا هو.. «مسيحي».
ما نقصده هنا... هو تشكيل الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة تمام سلاّم, واستحقاق هذا المنصب «مذهبياً» هو سُنيّ، وإذ بات سعد الحريري المرشح «الطبيعي» لهذا الموقع, بعد ان «ضحّى» ببلع «السكين» الذي استقر طويلا في حلقه, رافضا دعم مرشح (حزب الله وسوريا وايران كما دأب خصوم هذا المحور.. وصف الأمر) فان حزب الله لم يُمانع في «عودة» الحريري الى السرايا الحكومية مُجدَّدا, بعد ان كان «طُرِد» دقائق قبل اجتماعه بِاوباما في واشنطن, قبل اربع سنوات ونيف.
مهمة الحريري لن تكون سهلة, سواء مع حلفائه في فريق 14 آذار، هذا الفريق الذي تصدّع ولم يعد ثمة رابط يجمع صفوفه المبعثرة, ام من قِبَل خصومه في فريق الثامن من آذار, الذي ظهر كـَ»رابح» وان بدا رِبحاً مُكلِفاً لكنه تحقق بعد صمود وثبات, أفشَلَ كل محاولات دفعه لقلب الطاولة او التطرف في خياراته.
ستطول مدة تشكيل حكومة الحريري, الذي لم يعد يتوفر على أوراق وازنة داخلياً وخارجية وخصوصاً «إفلاسه» المالي المُعْلَن»، وسيضطر الى تقديم تنازلات, اقلها فيما يتعلق بالازمة السورية وكيفية توزيع الحقائب و»ماهِيّة» البيان الوزاري وتحديدا في تعريفه لدور المقاومة».
فهل ينجح أم يعتذر؟... الأيام ستروي.
(الراي2016-10-31)