أحاول اليوم ان أتفلسف !
اتحدث اليوم عن الفلسفة بمناسبة ... احد الفلاسفة القدامى قال : اذا اردت ان تفهمني اكثر علينا أن نتبادل حوارا عقلانيا ..
علمت من صديق ، أنه لا يوجد في الجامعات الرسمية والخاصة كليات تدرس مادة الفلسفة باستثناء الجامعة الاردنية . أنقل الخبر على ذمة الراوي ، فانا غير متاكد من هذه المعلومة التي اشعرتني بالدهشة والأستغراب ، والتي قادتني للاستعانة بمنهج الفيلسوف الفرنسي بيير ابيلارد القائل : « بالشك نصل الى التساؤل ، وبالتساؤل نصل الى الحقيقة «.
لذلك أسأل واتساءل وأكتب عن معنى عدم وجود كليات خاصة لتدريس مادة الفلسفة ، اذا كانت المعلومة صحيحة ؟! . هل هي مصادفة ام عملية مقصودة عن سابق تصميم وقصد وقرار !! لأن هذه القضية تعيدنا الى النهج الاوروبي المتبع في القرون الوسطى ، ففي ذلك الزمن المظلم تم منع تدريس الفلسفة ، وفرض حظرعلى ادخال كتب ارسطو الى اوروبا أو تدريس نظرياته في العصر الظلامي .
هذه المسالة مطروحة للنقاش بهدف التوصل الى الحقيقة ، بانتظار رأي من يعرف ويزيدنا علما ، ويكشف لنا السبب ، لأن مادة الفلسفة هي البحث عن الحقيقة عبر التفكير العقلاني ، وكلمة فيلسوف باللغة الأغريفية تعني « الباحث عن الحقيقة « . والفلسفة مرتبطة بمجموعة القواعد التي تنظم حياة الأنسان ، كما أن هذا العلم مرتبط بمعظم العلوم ، وهدفه الرئيس هو البحث عن اجوبة لأسئلة كثيرة ، وتفسير وشرح ظواهر طبيعية وانسانية عديدة .
ومنذ ظهور الفلسفة وانتشارها في بلاد الأغريق على ايدي طاليس وسقراط وارسطو وافلاطون والسفسطائيين ، اصبحت اثينا عاصمة للعلوم والثقافة في ذلك العالم القديم . وفي هذه الأجواء بدأ شكل من اشكال الديمقراطية قي الظهور في مجتمعات مستنيرة أتقن ناسها القدرة على الحوار ، لقناعة الفلاسفة أن الانسان هو ابن البيئة والمعرفة ، والعرفة الفلسفية تحدث تحولا حاسما في المجتمعات .
وفي الوقت الذي كانت فيه اوروبا غارقة في جهلها ( لا تفك الحرف ) ، كانت بلاد العرب والمسلمين هي مصدر المعرفة ، وكان علماؤنا هم الذين نقلوا الى الشعوب الاوروبية المعرفة والفلسفة والعلوم ، خصوصا من مصدرها الزاهر في الأندلس قبل الف عام . ويعرف المستشرقون والمثقفون والمؤرخون في اوروبا أنه بعد سقوط الأندلس تهافت طلاب العلم والمعرفة الى قرطبة وغرناطة وتوليدو واشبيلية وغيرها من المدن الأندلسية منابع المعرفة ، حيث ضمت المكتبة العامة في قرطبة وحدها على 400 ألف كتاب ومخطوطة ، وحسب شهادة الكاتب البريطاني جيمس بيرك ، هذا العدد فاق كل ما ملكته فرنسا من الكتب في ذلك العصر.
والحقيقة الاخرى ، والتي لا ينكرها الاوروبيون ،هي أن العلماء العرب والمسلمين هم الذين نقلوا علم الفلسفة والثقافة الغريقية الى اوروبا ، عبر النصوص المترجمة . والفضل الأول ينتسب لموسوعة الشفاء لأبن سينا التي كانت اول موسوعة علمية تقدم أفكار ارسطو ، كما أن نصوص ابن رشد وشروحاته وتعليقاته حول نظرية ارسطو في المذهب الطبيعي والمنطق الجدلي هي التي ساعدت الاوروبيين على فهم هذه الموضوعات الفلسفية المتقدمة . واذكر هنا أن الفيلسوف والمفكر الفرنسي بيير ابيلارد تأثر في بهذه المعرفة ، وكان أول من طبق المنهج الجدلي في كتابه « نعم ولا» أي ( الرأي والرأي الآخر ) ، وهوالكتاب الذي أحدث ثورة في ذلك الزمن ، وهو حصاد الأعمال المترجمة عن نصوص عربية لمؤلفات فلسفية وعلمية يونانية قديمة .
اخيرا اريد القول ان الفلسفة بمفهومها الحديث هي مادة علمية متشعبة متشابكة مع كل العلوم ، والأهم انها تشكل اسلوبا في التفكير والبحث عن الحقيقة . وللفلسفة الفضل في التنوير والتغيير والتقدم الحضاري الثقافي العلمي ، كما ان ويجب أن لا ننسى ان فكر الفلاسفة كان بمثابة الوحي المحرك للثورات الكبرى في العالم ، وبالتالي ارى ان فكر الفلاسفة وراء كل الحضارات ، لذلك الفلسفة تستحق التدريس والاهتمام الأكبر..أليس كذلك ؟.
(الراي2016-10-31)