تركيا: حان الوقت لـِ «شَطْبِ» المُعارَضَة!
بعد أن طالت عمليات التطهير واسعة النطاق أفقياً وعامودياً، المؤسسة العسكرية التركية بأذرعها المختلفة، إثر محاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز الماضي, وشملت أيضاً الجهاز الحكومي والسلطة القضائية ووسائل الإعلام المختلفة، جاء الدور الآن على المعارضة، بل المعارضة الكردية على وجه الخصوص التي يشكل حزب الشعوب الديمقراطي عنوانها الرئيس, والذي لا يُكِنُّ له الرئيس التركي وُدّاً و يُقيمُ له «حقداً وكراهية» بعد ان أفشل مشروعه الاستبدادي ,الذي يتمثّل في «فكرة» تحويل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي, يمنحه سلطة غير مسبوقة وامساكاً بخيوط اللعبة الداخلية ويمنحه فرصة البقاء في السلطة حتى العام 2023، عندما يتم الاحتفال بمئوية اعلان الجمهورية التركية, ليكون – كما يُخطط ويتمنى – المؤسس «الثاني» للجمهورية, ولكن بعباءة اسلاموية تغرِف من تاريخ أجداده العثمانيين والسلاجقة.
ضرب أردوغان ضربته الأشد ضد حزب الشعوب الديمقراطي «الكردي» والمتهم بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني التركي, الذي يقبع زعيمه عبدالله اوجلان في السجن منذ سبعة عشر عاماً (شباط 1999)، عندما شنت اجهزته الأمنية حملة لاعتقال أحد عشر نائباً من هذا الحزب بمن فيهم «رئيساه» المُشترَكان... صلاح الدين ديمرطاش وفيغان يوكسك داغ, بذريعة عدم استجابتهم للدعوات التي تم توجيهها لهم من قِبلِ القضاء لتقديم إفاداتهم في القضايا المُوجَّهة ضدهم، علماً أن البرلمان التركي الذي يتمتع فيه الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)بالاغلبية, أيّده حزب الحركة القومية اليميني بل العنصري بزعامة دولت بهشلي, وأيضاً حزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك) الذي يقوده كمال كيلتشدار اوغلو,لتمرير مشروع قرار يرفع الحصانة عن «جميع النواب» الأتراك المُقدَّمة بحقهم طلبات برفع الحصانة, وكان المستهدف من ذلك هو حزب الشعوب الديمقراطي, كونه ما يزال يُشكل شوكة مؤلمة في حلق أردوغان بالحؤول دون حلمه الفوز بثلثي مقاعد مجلس النواب (550) عضواً, كي يحول البلاد الى نظام رئاسي يكفيه عناء اجراء استفتاء شعبي, قد لا يكون مضموناً بعد كل الذي جرى ويجري في تركيا قبل الإنقلاب وبعده.
لم يعدْ ثمة فضاء للمعارضة, بعد ان «أخرسها» اردوغان, سواء في جهاز الدولة ام في القضاء الذي استتبعه وأحكم قبضته عليه بعد ان طهّره بالكامل وشرّد قضاته ونياباته العامة, بذريعة انهم من أتباع فتح الله غولن, وذهب بعيداً في «تأميم» الصحافة وباقي وسائل الإعلام, عبر مطاردة وسجن الصحافيين, الى درجة ان تركيا استحقت بـ «جدارة» لقب الدولة الأولى في كَمّ افواه الصحفيين واغلاق الصحف ومحطات التلفزة, المحسوبة على جماعة غولن وحركته.. حِزْمِت (الخدمة)أم لا, وكانت صحافة ووسائل اعلام الكرد في المقدمة, بما في ذلك محطات مكرّسة للاطفال, لكن ذنبها انها تنطق بالكردية وهي لغة لا يُطيق اردوغان سماعها, وهو لا يعترف اصلاً بالمكون الكردي (دع عنك العلوي وباقي الاقليات في بلاده).
لم تعد ثمة تعددية أوتنوّع ولا شيء مما يمكن وصفه بضرورات وقواعد اللعبة الديمقراطية, حتى ان الرجل وفي النشوة التي ما تزال مستبدة به منذ «فَشَل» الإنقلاب, يريد تقديم اقتراح للبرلمان بإعادة فرض عقوبة الاعدام, بعد ان كان «الغاها» لاسباب تتعلق بشروط الالتحاق بعضوية الاتحاد الاوروبي, وهو هنا يريد «مغازلة» بسطاء الشعب التركي, التي «ابتلع» حكاية الانقلاب ويُؤيّد التخلص من قادة هذا الانقلاب «المُفترَضين», دون توفير ابسط حقوقهم في الحصول على محاكمة عادلة, فضلاً عن رغبته في دفع المعارضة الى «الجدار» وإحراجها كي تبدو وكأنها «تابعة» وخانعة ومنصاعة الى رغباته, والا – في حال معارضتها – فإنها ستبدو مُتعاطِفة مع الانقلابيين, وعندها «قد» يسارع اردوغان الى اجراء انتخابات برلمانية «مُبكِّرَة» على ما فعله بعد هزيمته في10 حزيران العام الماضي, ليقود عملية تضليل وارباك واسع للمعارضة, وبخاصة بعد تجاوُز حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) نسبة الحسم البالغة 10% ليحصل على 13% ويحوز على 87 مقعداً, ليأخذ (اردوغان) البلاد ,الى انتخابات في مثل هذه الايام من العام الماضي, استطاع فيها تحسين وضعه وتشكيل حكومة من لون واحد, وإن كان لم يحصل على ثلثي المقاعد, لكن شوكة حزب الشعوب الديمقراطي, بقيت في «حلقه» بعد أن واصل البقاء في المجلس وحاز على 55 مقعداً..
اعتقال النواب الاكراد, وان كان حظي باهتمام دولي – اقرأ «قلق» غربي – وانتقادات وجهتها دول اوروبية والولايات المتحدة, الا انها لن تؤثر كثيراً في «خطة» اردوغان الرامية الى سحق المعارضة الكردية, واغتنام الفرصة التي يظنها.. سانحة الان, كي يمضي قدماً في تطهير الساحة السياسية والحزبية, لأنه ما يزال يعيش حال الرعب التي استبدت به عندما طاردته مقاتلات سلاح الجو التركي وكادت «تصطاده» وتُنهي حكمه الذي «لا» يبدو أنه سينعم بالأمن والاستقرار داخلياً وخارجياً,وعلى اكثر من صعيد, ليس اقله الانهيار المتواصل في سعر الليرة التركية وتزايد العداء لمشروع اردوغان «الاسلاموي» الذي يواصل محاولات إنعاشه, بعد أن فشل في مصر وسوريا والعراق ويواجه ازمة متمادية في ليبيا وتونس فضلاً عن احتمال اغلاق باب النادي الاوروبي «امامه», دون اهمال ان الرعونة التي يحاول فيها «إحياء» مشروعه العثماني الجديد, تُسهِم في كشف مدى العداء الذي أخذ بالتصاعد في المنطقة.. ضده.
(الراي2016-11-06)