عن «عاصفة» قرار ... «الدستورية العليا» الفلسطينية!
لم تهدأ بعد, الضجة التي «أسّس» لها قرار المحكمة الدستورية العليا «الفلسطينية» منح رئيس السلطة محمود عباس, صلاحيات تُمكِّنه من إلغاء الحصانة البرلمانية عن اي نائب في المجلس التشريعي، وبصرف النظر عن الاسباب «الحقيقية» التي تقف خلف قرار غير مسبوق كهذا, في خرق كل الاعراف السياسية والتشريعية والقضائية في اي نظام برلماني، بافتراض ان سلطة اوسلو تملك مثل هذا «الترف», الذي هو جزء لا يتجزّأ من «صوّر» السيادة الحقيقية لدول مستقِلة، فان جنوح محكمة مؤتمنة على «الدستور» وعدم السماح بخرقه او تجاوزه او السطو عليه او تهميشه، يدفع للاعتقاد بان اسبابا سياسية محضة, تقف وراء التبرير غير المُقنِع في الحال الفلسطينية على الاقل, والذي ساقته المحكمة لتفسير قرارها, الذي جاء على النحو التالي «لرئيس دولة فلسطين محمود عباس, الصلاحية الكاملة لرفع الحصانة عن اي عضو مجلس تشريعي في غير انعقاد أدوار المجلس التشريعي».
قرار عمومي.. لا يُحدِّد ولا يُؤشِر الى مجلس تشريعي حالي او قائم, يُمكن لِأي «رئيس» لاحق لعباس (وخصوصاً اننا نشهد اقتراب مرحلة ما بعد عباس) ان يعتبره سابقة يقيس عليها, ويرى فيه «وسيلة» واداة لضرب معارضيه او الانتقام من نائب مشاكس, سواء كان من داخل حزب الرئيس نفسه ام من حزب او حركة او تيار معارض, وبذلك يضمن لنفسه «الراحة» وعدم الاعتراض, ما دام سيف رفع الحصانة «مرفوعاً» على رأس كل «مشاكس» كما هي الحال الآن, بعد ان «منحت» محكمة, لا استئناف على قرارتها, الصلاحية (الكاملة) للرئيس الحالي (انتهت ولايته في 9/ 1/ 2009)، كي «يستفيد» من القرار غير المسبوق ..هذا.
واذ يعرف الجميع ان المجلس التشريعي الفلسطيني «الحالي» مُعطّل, بفعل عوامل كثيرة, اولها الانقسام الذي عصف وما يزال بالوحدة الوطنية الفلسطينية والمحصورة – من أسف – في «ثنائية» فتح وحماس، فضلا عمّا ألحقه الاحتلال الصهيوني بنواب المجلس المُنتَخَبين ورئيسه أيضاً, من تنكيل وعسف وسجن واضطهاد وإبعاد (وبخاصة المقدسيين منهم) وحال دون تواصلهم ووصولهم إلى مقريّ المجلس في رام الله وغزّة، وبخاصة نواب حركة حماس والجبهة الشعبية و»المتمردين» من حركة فتح على قيادتها، فإن مجرد ايراد عبارة «في غير انعقاد (ادوار) المجلس التشريعي»، تبدو اقرب الى النكتة السَمِجَة, منها الى قرار رصين يُعاين الواقع السياسي والاجتماعي ويبني عليه، كي يكون للقرار قيمته وصداه ورصيده الاخلاقي وبُعْدِ «العدالة»... فيه.
إذاً.. ليس ثمّة مجلس تشريعي قائم (أو شرعي) منذ العام 2007(انتهت ولايته القانونية في 25 /1/ 2010)، بعد ان انتهت ولايته القانونية, وخصوصاً منذ بسطت حماس هيمنتها على قطاع غزة، وقامت باقصاء فتح (وكل القوى الفلسطينية الاخرى) عن ممارسة اي ادوار سياسية او تنظيمية او إعلامية, ما لم تتوافق ونهجها الاقصائي وخطابها الايديولوجي، ما ادّى في النهاية الى بروز امكانية حدوث «فصل» جغرافي حقيقي بين «جناحي» محافظات السلطة.. الشمالية والجنوبية، وهو أمر رغم خطورته وسعي سلطات الاحتلال الى تكريسه والعمل عليه علناً، الا انه داعب خيال ورغبة بعض الجهات والاطراف والحركات, وخصوصاً تلك التي تعتاش وتنمو على ثنائية (غزّاوي وضفّاوي) وغيرها من «عدة الشغل» الفصائلي, التي تبرز في المنعطفات السياسية ومشاريع التقسيم و»التذرير» الاسرائيلية, وخصوصاً الإقليمية ببعدها العربي.. أحياناً.
ما علينا..
ما دام المجلس التشريعي غير قائم عملياً, فان توقيت صدور القرار العجيب هذا من المحكمة الدستورية «العليا» الفلسطينية, يثير المزيد من الشكوك حول دوافعه واسبابه والغاية منه, وبخاصة انه صدر قبيل ثلاثة اسابيع من انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح المقرر في التاسع والعشرين من الشهر الجاري (بافتراض انعقاده وعدم تأجيله كما حدث مرات عدة, ولاسباب ما تزال مجهولة او مُعتّم عليها, وإن كانت في معظمها اسباب شخصية وصراع على الامتيازات والصلاحيات في فتح التي تكرّست «فتوحاً».. منذ عقود).
يمكن الاجتهاد في هذا الشأن وبخاصة ان الجناح «الدحلاني» (على قاعدة مصطلح «التَجَنُّحْ» الذي يوجهه كتُهمة قادة فتح, لخصومهم داخل الحركة) بدأ نشاطاً مكثفاً مصحوباً بضغوط اقليمية وازنة, بهدف إعادة عضوية دحلان الى الحركة التي فصلته سابقا, ما سمح للقضاء ادانته بعد توجيه تهم بالفساد له، قام مؤيدوه بالطعن فيها ووصفها بالكيدية, وتمسكوا بان دحلان يتمتع بـِ»حصانة» برلمانية كونه عضوا مُنتخَباً عن قطاع غزة.
رفع الحصانة عنه من قِبل الرئيس عباس بعد قرار «الدستورية العليا»، يُلغي الامتياز هذا, ويجعل منه مطلوباً كي تُعاد محاكمته اذا ما تجرأ وحاول حضور مؤتمر الحركة السابع وتم السماح له (اسرائيلياً) بدخول الضفة للمشاركة في مؤتمر لحركة, قامت بطرده من عضويتها، ما يعني ايضا اجهاض اي محاولة لإعادته الى صفوف فتح كما كانت عليه ذات يوم,وبخاصة محاولات (الرباعية العربية) على ما قيل في وسائل الاعلام, وهو امر يبدو بعيداً في ظل تأكيد احد قادة فتح (عباس زكي) بان «القضية» غير قابلة للنقاش, باعتبار ان القرار «شديد» الوضوح، بانه «لا» يجوز ان يكون هناك قرار فصل، وفي نفس الوقت.. مناقشته».
والسؤال الآن: هل تستحق «قضية» دحلان, ان يتحوّل «القضاء»، إلى لعبة وأداة بين السياسيين والمتنافِسين... وأصحاب المصالح المشبوهة؟.
(الراي2016-11-09)