4×4.. ولكن!
بالضرورة ثمّة "خلفية" مهمة لإعراب الملك – في خطاب العرش- عن أمله بأن "تستمر الحكومة الحالية طيلة فترة عمر مجلس النواب طالما تحظى بثقة النواب"، والخلفية متشعبة إلى جانبين رئيسين؛
الجانب الأول مرتبط بفرضية وتكهنات صاحبت إعادة تشكيل الرئيس هاني الملقي لحكومته الثانية، وهي أنّ عمرها قصير، لن تعمّر طويلاً بعد نيل الثقة من المجلس الحالي، لذلك تمّ الاكتفاء بتعديل محدود على بعض الأسماء، لا كما كان يطمح الرئيس سابقاً.
مثل هذا التحليل الرائج كان سيربك عمل الحكومة وقدرتها على اتخاذ القرارات المطلوبة في المرحلة القادمة، وفي العلاقة مع النواب، لذلك جاءت رسالة "التطمين" الملكية للملقي لكيلا يستسلم لهذه الفرضية.
الجانب الثاني يتمثّل في التأكيد على الفلسفة الجديدة لإدارة شؤون الحكم وتتمثل بقاعدة 4×4، أي حكومة تستمر مع مجلس النواب، بهدف الاستقرار الحكومي والتشريعي أولاً، وثانياً لإعطاء فرصة للمشروعات والسياسات بعيدة المدى كي يتم تطبيقها، بدلاً من تغييرها مع كل حكومة ووزير، وثالثاً لخفض حجم النفقات الجارية مع ازدياد أعداد الوزراء بصورة كبيرة وتضاعف حجم رواتبهم التقاعدية، ورابعاً وهو الأهم لترسيخ صيغة جديدة من العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لتمكين الطرفين من التعامل معاً بصورة مستقرة، وفق معادلات واضحة وثابتة.
هذه "القاعدة" الجديدة تمّ تطبيقها بصورة فعّالة مع رئيس الوزراء السابق د. عبدالله النسور، بالرغم من الشكوك لدى النخبة السياسية في إمكانية نجاحها، وتجاوزت القاعدة بالنسبة للوزراء رئيس الوزراء نفسه، فهنالك "فريق تكنوقراطي" أصبح عابراً للحكومات، مكث فترة غير معهودة في الوزارات الأردنية، مثل وزراء الطاقة والمياه والبلديات وانضم إليهم وزيرا الإعلام، والتربية والتعليم، وهما – أيضاً- استمرا فترة طويلة، ووزيرا الاتصالات والمالية اللذان انضما لاحقا للفريق التكنوقراطي، ومن الواضح أنّ هنالك رضى عن أدائهما من قبل "مطبخ القرار".
مثل هذا الاستقرار المهني والحكومي يعطي استمرارية للعمل الحكومي ويطوّره، ويمنح الوزير الوقت المطلوب لإنجاز مهمات لم يكن ليؤديها فيما لو بقيت الحكومات كما كانت سابقاً سريعة التغيير، ما خلق مشكلة كبيرة في الإدارة الأردنية خلال مراحل سابقة، ما تجاوزناه خلال الأعوام الماضية، ونأمل بأن يستمر هذا النهج، مع الوزراء القادرين على العطاء والإنجاز، وألا تكون الوزارات التكنوقراطية على الأقل عرضة للأمزجة والأهواء والرغبات الشخصية.
هذه المعطيات والحيثيات، في ظني، التي نقرأ من خلالها "الرغبة الملكية" باستمرار الحكومة، وتضمين هذه الرغبة في الخطاب الملكي أعطت رئيس الحكومة – بلا شك- قدراً كبيراً من القوة والثقة بالنفس والراحة، والابتعاد عن الإشاعات والأقاويل السابقة. وهي – أي الرغبة الملكية الواضحة- "نقطة نوعية" لم يحظ بها أغلب رؤساء الوزراء السابقين.
معنى ذلك أنّ الرئيس توافرت له الفرصة الكاملة والمساحة الواسعة للعمل وإثبات ذاته، متسلّحاً بالقاعدة الجديدة (4×4)، كل ذلك صحيح، ولكن تلك الحيثيات نفسها ستُسجّل على الرئيس وليس له، وسوف تكون أهداف قاسية في مرماه في حال أنّه فشل في استثمار هذه البيئة الصحية للعمل (بعيداً عن صدام مراكز القرار، وبدعم وإسناد قوي من مرجعيات الدولة)، وظهر غير قادر على القيام بالمهمات ولا السير للأمام، فإنّ فشله سيكون مربّعاً أو مكعّباً!
بمعنى أنّ "الرغبة الملكية" وقواعد اللعبة الجديدة مشروطة بأداء الرئيس، ولا تعني "الاسترخاء" والركون إلى تلك المعطيات، فإذا لم يستطع الرئيس أن يحمل نفسه وحكومته بصورة قوية وجيدة، لن تحمله "الدولة"!
ربما المقارنة مع حكومة النسور مهمة، فالنسور سياسي داهية محنّك، بالرغم من ذلك لم يستطع الصمود 4 أعوام إلاّ بصعوبة شاقّة، حتى مع دعم الدولة له.
(الغد2016-11-09)