تحويل السلوك الإنساني إلى تجارة
تقول لنا شركات الاتصالات "ابدأ نهارك بالدعاء" أو تعرض عليك أدعية مع البكاء وآيات تطمئن القلوب، وتوفر لنا الجماعات (كما في إعلانات منشورة في الصحف) الغضب والاحتجاج. وهناك آلاف الأمثلة والحالات التي تؤشر كيف تحوِّل الشركات السلوك الإنساني إلى موارد واستثمارات هائلة، وكيف تستمد منه الجماعات والتيارات السياسية تأثيرها ومؤيديها، وليس الحديث عن ذلك انتقادا للشركات والتيارات السياسية ولا تأييدا بالطبع، ولكنه محاولة للوعي باستثمار السلوك الانساني وتصميمه وتوجيهه، وتسليعه أيضا، ثم تتشكل متوالية اجتماعية اقتصادية معقدة لا تتوقف آثارها وتداعياتها، وتظل تنشئ مؤسسات وأسواقا وثقافات جديدة مختلفة، لذلك فإن أهمية الفكرة (ملاحظة استثمار السلوك) هي أن الإصلاح والتقدم يبدأ برصد هذه العلاقات ثم مواجهتها أو تعزيزها حسب موقعها من عمليات الإصلاح والتنمية.
التطور الكبير والسريع في تسليع السلوك هو الشبكية وآفاقها التي لم نكتشفها بعد، فقد أتاحت وسهلت عمليات تجارية واسعة لم تكن قادرة بدون الشبكة على هذا التوسع والوصول إلى كل إنسان في بيته أو في موبايله.
في الجدل بين ترامب وكلينتون جرت عمليات رهونات بحوالي 30 مليار دولار، وتتشكل هنا مصالح كبرى في الجدل والتقارب والفضائح والقوة والضعف لأن بيئة الرهان تتشكل في حالة الإثارة والجدال والتقارب بين محتويات الرهان، والرهن والقمار واليانصيب مستمدة ابتداء من نزعة إنسانية إلى الكسب السريع، الحلم بالثروة المفاجئة، وشعور كل إنسان بالتميز، ويشبهها الهوس بالكنوز والدفائن، والتهافت على الاتجار بالأسهم الوهمية والمجهولة، تتسع هذه الاستثمارات على أساسين واضحين: تحريك وإثارة مشاعر ونزعات التميز والحلم بالثروة السريعة، وتسهيل التعبير عنها أو التحرك بها، وكانت الانترنت وإمكانية الدفع بالبطاقة الائتمانية قاعدة أساسية لتسهيل الاستثمار والبيع والشراء والمراهنة. هنا تتشكل حاجة للارتباط بالشبكة والموبايل، هذه التطبيقات الواسعة والتسهيلات والتنبيهات والإشارات والإغراءات الكثيرة المعززة بإغراق إعلاني وإعلامي وسياسي واسع ليظل كل إنسان مرتبطا بالشبكة والموبايل، وفي ذلك تتدفق عليك في الموبايل العروض والفرص للبيع والشراء والمراهنة والمشاركة. تتركز سياسات الشركات هنا على زيادة متابعتك للموبايل، ففي الوقت الذي تمضيه وفي السلوك الإدماني والارتباط بالموبايل والشبكة جنت هذه الشركات تريليوناتها.
وعندما أتاحت الأقمار الصناعية والشبكات الوصول إلى المحطات التلفزيونية من أي مكان وفي أي وقت لم تعد ملزما أن تنام مبكرا لأن محطة بلدك المملة أصلا تنهي بثها في ساعة محددة ومبكرة من الليل، ولكن تشكلت مصلحة تجارية لتظل ساهرا، ففي الوقت الذي تمضيه أمام الشاشات يمكن أن تتدفق إعلانات تجارية كثيرة تجد مجالا في سعة الوقت وتعدد المحطات أن تتسع هي أيضا، وفي الحاجة إلى الإعلان والتسويق تتشكل أيضا مصلحة لتغيير سلوكك ومزاجك، فيمكن في سلسلة الأخبار والحروب والعنف والدماء أن تتقبل إن لم يكن مسليا دعايات تجارية مقرفة أو ثقيلة الظل، .. مزيل الشعر والحفاظات على سبيل المثال!
(الغد2016-11-10)