الأحزاب السياسية ومعضلة التحوّل الديمقراطي
بالرغم من أن الأحزاب السياسية كانت موجودة منذ تأسيس الإمارة، إلا أنها في الأردن ما تزال على هامش الحياة السياسية الرسمية.
لا بد من التأكيد - منذ البداية - بأن الديمقراطية لا تكتمل من دون الأحزاب السياسية، وأن فشل الأحزاب السياسية يؤدي دوراً مركزياً لا يمكن تفسيره فقط في تحليل الاحزاب نفسها بل لا بد من تناول الظروف والعوامل التاريخية بالاعتبار.
الفترة الذهبية للأحزاب السياسية من وجهة نظر الكثيرين هي فترة الخمسينيات، وأعتقد أن هناك الكثير من الأبعاد الإيجابية لتلك التجربة. لكن هذه التجربة أدت الى حدوث شرخ كبير في الدولة والأحزاب السياسية ما نزال غير قادرين على تجاوزه حتى الآن.
تجربة الخمسينيات تميزت بأن الأحزاب السياسية كانت أيديولوجيتها ممزوجة بين الاشتراكية/ الشيوعية أو القومية العربية، بالإضافة للإسلاميين. هذه الأحزاب وجدت نفسها مبكراً في صراع على هوية الدولة وليس في كيفية بنائها ديمقراطياً.هذا الوضع أدى لصدام مباشر ومبكر بين الدولة والأحزاب التي كانت تريد - بشكل أساس - نظاماً سياسياً غير ذلك الموجود فعلياً، ما أدى الى صراع مبكر بين الدولة والأحزاب، بالإضافة الى ذلك تولدت أيضاً حالة اجتماعية موازية للحالة السياسية من عدم الثقة بالأحزاب السياسية. هذا الصدام الذي أدى الى تعطيل العمل بالانتخابات والحياة السياسية لفترة طويلة.
أما بعد حرب حزيران العام 1967، فقد أدى وجود فصائل منظمة التحرير والعمل المقاوم على الساحة الأردنية الذي تحول لاحقاً الى تحدي شرعية الدولة الأردنية، إلى الصدام المحتدم لاستعادة الشرعية. المرحلة التي تلت ذلك كان يسود فيها العمل الحزبي السري الذي لم يتم التهاون معه من قبل الدولة حتى نهاية الثمانينيات. وهذه الحقبة والتجربة السابقة أدت إلى ظهور ثلاثة مظاهر ما تزال تمثل جوهر الثقافة السياسية المتعلقة بالأحزاب:
أولاً: عدم ثقة بالأحزاب السياسية وبنواياها من قبل الدولة الأردنية بسبب الارتباطات الخارجية وسلوك الأحزاب السياسية.
ثانياً: نتيجة للحالة العدائية بين الدولة والأحزاب تولد لدى الشعب الأردن ثقافة سلبية نحو الأحزاب السياسية بالمجمل، بالإضافة للخوف من الأحزاب ونواياها.
ثالثاً: ثقافة الأحزاب نفسها أصبحت تتسم بالمعارضة الدائمة والمطلقة للدولة في أغلب الأحيان.
هذه المظاهر، بصرف النظر عن أسبابها، وهي عديدة ومتداخلة، أدت الى ثقافة استمرت حتى بعد عودة الحياة السياسية بعد انتخابات 1989 وما تلاها من سماح للعمل الحزبي العلني بعد العام 1992 وظهور الأحزاب الوطنية أو الأحزاب ذات الأجندات الداخلية التي هي أيضاً لم تكن مقنعة للشارع ويبدو أيضاً للدولة. التحولات السياسية التي حصلت في الأردن بالسنوات الماضية على أهميتها البنيوية، لم تؤدِ إلى نقلة سياسية على صعيد مشاركة الأحزاب السياسية. وغياب الأحزاب السياسية عن الانتخابات البرلمانية والبرلمان لاحقاً، يضعف قدرة القوى المختلفة على العمل الجماعي وعلى الاصطفاف على أسس مصالح جماعية مشتركة.
غياب الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على الاندماج بالحياة السياسية الرسمية، يشكل معضلة للتحول الديمقراطي في الأردن. الملك يعلن عن رغبته في رؤية ثلاثة الى أربعة أحزاب تمثل التيارات الموجودة على الساحة الأردنية، شريطة تحولها لأحزاب ذات أجندات وطنية برامجية، هناك أيضاً إجماع على هذه الفكرة لدى الأحزاب والنخبة الثقافية والسياسية.
لدينا أكثر من 50 حزباً مرخصاً، وهذا بحد ذاته ليس مشكلة لو كانت هناك أحزاب فعالة من بينها.
وتشكل قلة وجود الأحزاب السياسية الوطنية عن الحياة السياسية نقطة ضعف كبيرة في تطور الديمقراطية في الأردن.
ولتجاوز هذه الحالة؛ لا بد للجميع من الاستثمار بتطوير الحياة الحزبية، ولا بد للدولة من أن تقود هذا التحوّل.
(الغد2016-11-10)